مارونايت - يبدو في أول نظرة أن اللبنانيين المعاصرين يتخبّطون في أكثر من أزمة سياسية أو إجتماعية. في أكثر من حرب لا بد وأن تنتهي. ويبدو أنهم عاجزون عن إنقاذ ذاتهم لأنهم يجهلون ذاتهم. فمن المعروفات الشائعة لديهم، أن لبنان وطن الأقليات. ولكنهم لا يعرفون، بالتحديد الواعي، أية أقليات هي المعنية في هذا الوطن. وأن، لصغر مساحته، لا يمكن أن يتّسع لكل أقليات في الشرق. وأنه كان هنالك، في أساسه، تخصيصاً معيناً مبرراً. وفي المعروفات الشائعة لديهم، أيضاً، أنه في قاعدة لبنان – الوطن تحالفاً مارونياً درزياً، بلغ ذروته في عهد فخر الدين، أمير القرن السابع عشر فولد هذا اللبنان. ولكنهم لا يعرفون أن هذا اللبنان، وهو اللبنان الأول بمفهومنا المعاصر للوطن، هو غير اللبنان الأسطوري الألفي الذي يعشق بعضهم التذكّر بفنيقيّته، والتكنّي بها. لا يعرفون، بالتحديد الواعي، ما هي المارونية الحقيقية وما هي الدروزية الحقيقية، ولماذا تحالفتا. بل إنهم جهلوا وتجاهلوا تماماً الهوية، الرسالة، والحقيقة التاريخية، لكل منهما، ويتنكرون، اليوم في مفاهيمهم العقيدية والقومية، وفي السياسة التطبيقية، لجميع قواعد الحقيقة التأسيسية الأولى، ولقرائضها. فالمارونية اللبنانية المعاصرة، وتقودها السياسة المخضرمة لا الفكر، تقوم على ادّعاء تمثيل جميع المسيحيات المشرقية باسم حماية الأقليات في المشرق الإسلامي. ولكن المارونيّة المعاصرة نسيت أنها، في هذا المشرق بالذات، أصبحت تمثّل بالذات الحضور الرومانيّ الكاثوليكي في أرض الإسلام والمسيحيّة المشريقيّة. وذلك منذ تحالف المارونيّة الأوّلية مع روما وتحوّلت، منذ القرن السابع، من مشريقيّة إلى غربية. فرفعت الباباويّة عنها الغضب والحرمان لتثبتاها وتقوّيها ولغيرها رسولًا لها مشرق الملامح في داخل الشرق المتمرّد على كنيسة بولس الرومانيّة. ولذا فقد حاربتها الكنائس المشريقيّة وحملت شعبها القليل على اللجوء، من الغضب السوري، إلى جبال لبنان الفقيرة ولكن المنيعة. ولم يهرب الموارنة الأوائل من الإسلام. ويبدو أكيدًا أن المارونيّة السياسية المعاصرة تتجاهل هذه الحقائق مثلما يجهلها الإدراك الماروني الشعبي. فالمارونية هذه، إذن، امتداد الروماني المشرق السامي انها قاعدة الغرب في الشرق . كما أن الدروزية، حليفتها في صنع لبنان – الوطن قاعدة ثانية للغرب في هذا الشرق. لأن المارونية والدروزية تمثلان، وحدهما، النزعة الاستقلالية القومية ذاتها، بفضل تواجدهما في جبل لبنان. فهذه الاستقلالية هروب من الكثرة الإسلامية، بالنسبة للدروز. واما للموارنة فهي هروب من الكثرة المسيحية المشرقية، صديقة الإسلام أكثر مما كانت في بدايتها، هروباً من الإسلام نفسه. فالعقيدة الدرزية، في حقيقتها، ترفض الدين والإيمان المطلق، وتعلم العقل والحرية المطلقة. تحمل إلى المشرق السامي. وتقيم في الشرق، قاعدة للغرب. تواجه نبي الصحراء بسقراط. تواجه الاله النهائي بالعقل التصاعدي وعليه، فإن الدروزية والمارونية، هما الأقليتان الحقيقيتان، الوحيدتان، في مجموعة الشخصيات الطائفية المشرقية. لذا، تواجدتا في بناء لبنان الوطن، وطن الحاجة والضرورة. ولذا فإن تباعدهما يهدد هذا اللبنان الوطن. وافتراقهما النهائي، إذا وقع، يلغيه نهائياً. فالمارونية والدروزية قدر غربي الملامح في المشرق الأسمر. فهل يستمر هذا اللبنان – الأساس بالذات، في مشرق السامية العائدة؟ وهي سامية اليهودية والمسيحية المشرقية والإسلام؟
يبقى أن قدر لبنان بموارنته ودروزه، أن يظل وطن الأقليتين. أو تظل في العالم أقليتان نادرتان بلا وطن. ولكن هل يمكن أن يكون هناك ثورة تصحيحية لهذا الواقع بعد كل تلك التطورات هذا، ما سنراه لاحقاً. الياس خليل
0 Comments
Leave a Reply. |
صفحة الخطاب الحرّ على موقع مارونايت نيوز، تنشر مقالات لأصحاب رأي، وهي لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو مواقفه. وتبقى حريّة التعبير هي الأساس، والمناقشة الفكرية البعيدة عن الغرائز هي المبتغى
Archives
April 2023
|