"ويلٌ للرعاة الذين يهلكون ويُبدِّدون غَنَمَ رعيتي "سفر أرميا ( 23/1 )،وفقًا للتعاليم وللتطبيقات الأرضية يُقصد بالإكليروس أو الرُتّب هي الدرجات التي تهبها الكنيسة لأشخاص معيّنون ينطبق عليهم فعل الإستقامة والمحبة والتضحية والغيّرية والطاعة وعمل الخير.في الزمن الماضي السيّد المسيح كلمة الله هو أول أسقف صادق وطاهر وكانت أسقفيته بمعنى الأب الرسول المقدّس،ثم أطلق الألقاب الصادقة في حينه على الذين فوّضهم المسيح بالعمل الرعوي أي رعاية الشعب التوّاق على عبادة الله بجلل،وإشترط في حينه على ما تناقلته الأخبار أن يكون الأسقف رسول إيمان وحُسنْ السيرة . الإكليروس وفقًا لأغلبية المراجع كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الروحية "رجال دين"وتكون وظيفتهم خدمة شعب الكنيسة والسهر عليه وقيادتهم دينيًا وإجتماعيًا وسياسيًا لمعرفة الله من خلال تعاليمه وفقًا لِما ورد في الكتب السماوية.الإكليروس مهمته شاقة توجيهية في ضوء جوهرية البحث في عملية رعاية الشعب المسيحي في لبنان وفي العالم المشرقي وسائر أنحاء العالم،عملية تأمين كل مستلزمات الراحة والتعلّق بالأراض المقدّسة التي وطأها السيِّد المسيح،ورعاية الحضور الفاعل وحماية الأرزاق والحقوق في كل البلدان التي يتواجدون فيها خصوصًا في ضوء عملية الإفناء الممنهجة والتغيير الديمغرافي المبرمج،وعملية تغيير هوية الشعب المسيحي المشرقي وبنيته وتركيبته،كما يفعل بعض الأنظمة الدكتاتورية. لا شك في أهمية الدفاع عن تلك الحقوق ونبلِها أن يتواجد رعاة صادقون على صورة السيّد المسيح الذي عوّدنا في رسالته الأرضية الخلاصية من خلال عملية التبشير والآلام والصعود إلى السماء،لكن للاسف العكس صحيح مرحليًا. ما يصدم اليوم وما يدمي له الجبين فعلاً المواقف الخجولة التي ترد تِباعًا من رعاة الكنيسة أينما وجدوا ولا أعمِّمْ ويبدو أنّ أفعالهم وأقوالهم لا بل عظاتهم تُكرِّرْ ببغائية الخطاب الممجوج والتهرُّب من المسؤولية،وقصر نظره وشوفة الحال وحب الذات والكراهية العمياء للشعب المغلوب على أمره من خلال ساسة إنتدبوا إلى الشأن العام وبُورِكوا من قبل رعاة الكنيسة. عظات وخُطَبْ نسمعها من على مذابح الرب وتحت صور المصلوب ورعاية الكتب السماوية،مشرق يحكمه نظام تعددي صادق والبديل الوحيد إذا سقط هذا النظام نظام متطرِّف،وإنّ المسيحيين غير جاهزين لعيش الديمقراطية وكأنهم ما زالوا بحاجة للعيش في ظل أنظمة وصائية إستعلائية تتناسب مع المرحلة الذهنية والنضجية التي هم فيها. في المقابل تفيد الأخبار أنّ المسيحيين الشرفاء لهم الموقف الشديد والنبيل والأخلاقي حين رفضوا الذل والخنوع والتسويات والخطابات الرنّانة والمذكرات التي بقيت حبرًا على ورق ولا حاجة لتعدادها فقد أرشفتها كل مراكز الأبحاث وأصدرت بحثًا توثيقيًا عن عدم جديّة طارحيها والبعض من مراكز الأبحاث وصّفها بأنها " عبارة عن إستدراج عروض لغايات شخصية لا بل لمنفعة شخصية" وللبحث صلة. ملعونٌ كل من يُهادن ويُساوم ويُساير ويُراوغ، ومُبارك من دأب على تسليط الأضواء بشجاعة وصدق على الأوضاع الإنسانية والسياسية والإجتماعية والأمنية المأساوية التي يعيشها مسيحّو الشرق وهذه المرجعية دأبت إلى الإشارة للنزوح والإقتلاع الداخلي ودعت إلى وقف الحرب على مسيحّيي الشرق والعنف وإحترام إنسانيتهم. مثير للعار والخيبة الشديدة أن نسمع الإكليروس يناهضون صوت شعوبهم ويعملون على تضليل الواقع ويستأثرون بالوضع ويمعنون "بالحكي الفاضي" ويتطاولون على الشرفاء بطريقة السخرية وبوجوه صفراء كئيبة، وما إنفّكوا يلعبون هذا الدور المقيت منذ سنين وبتسويق أكذوبة إنهم مع شعوبهم وهم عنهم غائبون ولا مُبالون بالأخطار المحدقة ويكتفون بعظات يجف حبرها غداة تلاوتها من على مذبح الرب . في تلك المرحلة الحرجة نُلاحظ في هذا المشرق رجالات دين وقادة كنائس يعملون كسفراء ومراكز أبحاث ومراكز إعلامية لتلميع صور بعض القادة الذين أمعنوا في ضرب الحضور المسيحي في مشرقنا ويُساندون أنظمة مجرمة وعدوّة للإنسانية وإعادة تسويقها تلك هي الحقيقة الساطعة،ومن بإستطاعته إنكار ما وصفّناه فليُبادر إلى مقارعة حججنا بحججه ولتكن لدية الجرأة على قول الحقيقة لأنّ المساومة على الحقيقة خطيئة مميتة في هذا الظرف العصيب.من منهم طالب الأنظمة بوقف سعار التدمير والعنف والقتل والتهجير عمليًا وفعليًا؟ التهجير طال كل المشرق العربي والبطاركة الحاليّون إكتفوا بممارسة سياسة وضع الرأس في الرمال . بطاركة تُهادن أنظمة إقصائية عنصرية وغير عادلة أسوأ من النظام النازي وأكثر كراهية للآخر ووحشية. هل يعلم علم اليقين الأكليروس أنّ بداية المسيحية كانت في المشرق وأماكنها المقدّسة لا تزال أبدًا إلى اليوم منتشرة في كل أرجائه،وتاريخ المسيحية لصيق بهذا المشرق الأبيّْ . إنّ إنهيار الوجود المسيحي الراسخ في المشرق سواء أجاء على أيدي مجموعات إرهابية أو مشاريع لعبة أمم،أو حصل بشكل هجرة متسارعة للشعب المسيحي من كل أقطار المشرق طلبًا للحرية والأمان وصونًا للحرية فإنه يتجاوز في تداعياته الأبعاد الرمزية والثقافية، فهذا المشرق إذا خلا من المسيحيين هو مشرق مبتور الرؤية لماضيه ومستقبله على حد السواء. ولا بُد من تجنُّب القراءات السطحية الأفعال الهامشية التي تجعل من المسيحيين ورقة إبتزاز. حذار إخراج المسيحيين أو إعادة صياغة موقعهم على أنهم أقليات أو وضعهم في مشروع ذمي على ما هو حاصل اليوم. وليعلم الإكليروس أنّ لبنان شهد مؤخرًا ضررًا فائقًا في العلاقات بين طوائفه ولبنان هو الموطن الوحيد في المشرق الذي يحمل التعبير السيادي الصرف . التهديد الذي تعرّض له مسيحيّو المشرق وخصوصًا في لبنان يأتي من أعباء التاريخ ومن ممارسات الإكليروس والسياسيين الخنوعة والتي هدفت إلى تحقيق مصالح الغريب،وهذا التهديد يزداد يومًا عن يوم ولا يمكننا قبول هذا الإستنزاف المسيحي في المشرق وفي لبنان،والسبيل إلى إيقاف النزيف وإعادة بعض المفقود يتطلّب اللجوء إلى ما لم يجرأ على تطبيقه من إدّعوا حماية المسيحيين مشرقيًا ولبنانيًا أي إعتماد سياسة دحر كل مسؤول سواء أكان روحيًا أو علمانيًا عن مراكز السلطة وإعادة تكوين سلطة جديدة على أساس الحرية والكرامة . المشكلة تكمن في قادة خنوعيين خربوا القطيع وعاثوا فسادًا، وقد صدق ما جاء في سفر أرميا .
0 Comments
أين ستولد يا إلهي في هذا العام … وفي أي سماء سيشع نجم ميلادك ... فمزودك ربي لم يعد محصوراً في مكان ، لأن بلادنا كلها باتت مغارة مظلمة باردة تفتقد الأمان … نساءها أعظمهم التزموا الصمت على مثال العذراء وليسوا بطالبين إلا لأبسط مستلزمات الحياة .. رجالها على مثال مار يوسف يجاهدون ويكافحون ليأمنوا أقل ما يمكن لعائلاتهم ، ألا وهو الملجأ الدافئ والغذاء … شبابها يتهجرون ويجولون في أصقاع العالم كله باحثين على شعاع أمل من السماوات ، على مثال الرعاة … إلهـــي …إلهي … لم يعد في بلادي عائلة مكتملة واحدة لتجتمع وتضيء شجرة ومغارة لتحيي ذكرى ميلادك كما عهدنا الحياة في أيام زمـــــااان … فبلادنا باتت ميتة و مظلمة وباردة …. تنتظر الحياة … فيارب مثلما بشرت مريم بحملها للخلاص . ومثلما ألهمت مار يوسف ليجد مكان الدفء والأمان .. ومثلما أرسلت نجمك للرعاة التائهين تحت السماوات … بشر بلادنا وكل من فيها ، وأرسل إليها مجوسك بهداياهم الثمينة .. لتنير بميلادك حياتهم ، وتدفئ قلوبهم ، وتريح أرواحهم .. ولتكن بلادنا مزودك الذي تولد فيه ليشهدوا النور والفرح ويكونوا لك على الدوام ساجدين وهاتفين … (المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام ) شربل ابراهيم إنّ أكثر الأوقات التي أشعر فيها بأنّ لبنان بلد طائفي هو حين أجالس شيوعيًّا أو يساريًّا ملحدًا أو علمانيًّا يدّعي التحضّر، فهؤلاء هم عبارة عن موضة لم تتجدّد منذ سبعينيّات القرن الماضي، وهم لا يرون الطائفيّة إلّا عند المسيحيين وتحديدًا عند الموارنة. بالنسبة إليهم، أن يُطالب بطريرك الموارنة بحياد لبنان لمصلحة لبنان وشعبه، هو أمر مرفوض لمجرّد أنّه مطروح من غبطة البطريرك، وليس لشوائب فيه! أمّا أن يحيّدوا هم، العلمانيون اليساريون، تنظيم حزب الله الديني الأصولي عن عصابة "كلّن يعني كلّن"، فهذا أمرٌ "جلَل" بالرغم من أنّه أوقع الشقاق في صفوف ثورة 17 تشرين. بالنسبة إليهم، أن تنضمّ أحزاب الجبهة اللبنانيّة إلى الثورة، هو أمر مشين! أمّا أن ينضمّ إليها فلول اليسار الملحد، وعلى رأسهم الحزب الشيوعي الذي تآمر مع الفلسطينيين على لبنان وخرّبه، فهذا فعل "سويّ". بالنسبة إليهم، سمير جعجع وشباب القوّات ومعهم باقي المسيحيين، بمن فيهم العَونيون، هم "صهاينة رذيلون خسيسون" لأنّ أسلافهم اضطُرّوا إلى التعامل مع إسرائيل، في الحرب ضدّ لبنان عام 1975، للحؤول دون إبادتهم جماعيًّا. أمّا أن يتلقّوا هم حينها التمويل والدعم العسكري من ليبيا، والعراق، والصومال، ومحور البلدان الأوروبيّة الشرقيّة، وأن يتآمروا على لبنان مع منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي بدورها كانت تتلقّى الدعم من المنظّمات الإرهابيّة الدوليّة: اليابانيّة، والإيرلنديّة، والباسكيّة، والمافيا الإيطاليّة... وغيرها... فهذا أمر يصبّ في خانة وحدة المسار والمصير "ولا شائبة فيه"!!! بالنسبة إليهم، أن يُطرد تسعة آلاف لبناني من جيش لبنان الجنوبي إلى إسرائيل بحجّة التعامل مع مَن يُسمّونه عدوًّا صهيونيًّا، لهو "تحرير". أمّا أن يتغاضوا هم عن الظروف التي ادّت إلى تعامل الجنوبيين مع العدو بعلم رئيس الجمهوريّة وقيادة الجيش وموافقتهما، وأن يتناسوا هم أنفسهم كيف نكّل حزب الله الديني بهم، ومنعهم من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكيف أنّ هذا الحزب تآمر مع الإسرائيليين على حلّ الجيش الجنوبي وعلى سحب عناصره وعائلاتهم إلى خارج لبنان... فهذه "مقاومة" ويا ما أحلى الكحل في عينيها ولو هي إسلاميّة راديكاليّة، المهم ألّا تكون لبنانيّة بأيدي مسيحيين!!! بالنسبة إليهم، أن تدافع الأحزاب المسيحية عن لبنان في العام 1975، هو "انعزاليّة"! أمّا أن يدمّروا هم كيان لبنان من أجل تحرير القدس، فهذا مُتاح ومُستمر لغاية اليوم، مع العلم أنّهم علمانيون وملحدون، في حين أنّ لا رمزيّة للقدس غير الرمزية الدينيّة، أللهمّ إلّا إذا كانوا يُريدون القدس لِعَلمنتِها قبل أن يُهوّدها الإسرائيليون!!! هؤلاء "المتعلمنون" قصّتهم قصّة. من اللّحد أحيوهم، وفي لبنان وضعوهم، وحليب "تيوس" شرّبوهم، ومن الوطنيّة جرّدوهم، وعلى تخريب دولتنا دفعوهم، فأبلوا بلاءً حسنًا في مهمّتهم فسُمّوا بـِ "اليسار". لكن هم ليسوا يساريين بالمعنى الحقيقي للوصف، أي ليست لديهم برامج إصلاحية ولا يتمتّعون بالفكر التقدّمي كما هي الحال عند يسار الغرب، بل هم أشبه بمجموعات تلجأ إلى العنف والتخريب لتحقيق مآربها. تتبع هذه المجموعات أحزابًا، كانت في أواسط القرن الماضي ممنوعة أو محظورة، لأنّ ايديولوجيّاتها تتناقض مع فكرة الكيان اللبناني المستقل، كالشيوعي، والقومي السوري، والبعث العراقي والبعث السوري. في العام 1969، وإثر تعيينه وزيرًا للداخليّة، بادر كمال جنبلاط إلى إحياء تراخيص هذه الأحزاب ومن ثمّ نظّمها تحت راية "الحركة الوطنيّة" لغاية محدّدة. فكمال جنبلاط، منذ تأسيس حزبه التقدّمي الإشتراكي، وهو يتطلّع إلى تغيير الصيغة اللبنانيّة ونسف الميثاق الوطني الذي يعتبره مجحفًا بحقّ طائفته الدرزيّة، إذ لا يُتيح لأبنائها تبوّء أيّ منصب رئاسي بين الرئاسات الثلاث الأساسيّة. عشيّة حرب العام 1975، تعزّز تحالف الإسلام في لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينيّة، ففرض كمال جنبلاط مكانته ضمنه كزعيم للدروز، وكقائد لفصائل الحركة الوطنيّة اليساريّة التي سبق أن أعاد تشريع أنشطتها، وكان باعتقاده أنّ باستطاعته استخدام هذا التحالف القائم للانقضاض على الدولة وإنهاء حكم الموارنة، ومن ثمّ فَرْض النظام الذي يتماشى مع توجّهاته. لكن ما لبث جنبلاط أن أدرك أنّ منظّمة التحرير هي الربّان في الحرب على لبنان والمسيحيين، وأنّه وأتباعه العلمانيين اليساريين ليسوا سوى أدوات يُسَيّرها ياسر عرفات. هكذا نشأ اليساريّون في لبنان على كره المسيحيين وتحديدًا الموارنة. قتل السوريّون كمال جنبلاط فازدادوا كرهًا للموارنة. اجتاحت إسرائيل لبنان بسبب ياسر عرفات وأعماله الإرهابيّة، فازدادوا كرهًا للموارنة. فتك حزب الله بقياداتهم أواسط الثمانينيات وبعدها، فازدادوا كرهًا للموارنة. قطع السوريون أنفاسهم غداة ولادة الجمهوريّة اللبنانيّة الثانيّة، فازدادوا كرهًا للموارنة. تثبّت اتّفاق الطائف وألغى كلّ دور وحضور للمسيحيين في لبنان، فازدادوا كرهًا للموارنة. اندلعت ثورة 17 تشرين وبغفلة نظر وعفويّة تامة التحم الشعب اللبناني تحت الراية اللبنانيّة. كان الجميع وبروح وطنيّة عالية يريد إنقاذ البلد، إلّا جماعات اليسار المنظّمة والمموَلة من حزب الله وأمريكا على السواء، فكان لها أجندة خاصة ألا وهي إعادة إحياء أفكار "الحركة الوطنيّة" الهادفة إلى تدمير الصيغة اللبنانيّة، والتي إن تحقّقت لن تتحقّق إلّا بالنيل من المسيحيين. شوّهوا شعار "كلّن يعني كلّن" بضغطهم لتحييد حزب الله واستثناء الحزب الشيوعي من "كلّن". طالبوا بتغيير النظام ليحقّقوا حلم كمال جنبلاط بالتخلّص من الموارنة في الحكم، وليس لجعل لبنان دولة مدنيّة. هاجموا رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، وتمسّكوا بحزب الله الأكثر راديكاليّة دينيًّا على أساس أنّه "مقاومة". وطالبوا بإلغاء الطائفيّة السياسيّة لأنّها تُتيح لهم فرض النظام الذي يناسبهم، ولم يتوقّفوا عند إلغاء الطائفيّة من النفوس على مستوى أسفل الهرم. يُريدون الزواج المدني اختياريًّا كي لا يمسّوا بتوحيد قوانين الأحوال الشخصيّة التي أعطت تفوّقًا ديموغرافيًّا للمسلمين، ولأنّ توحيدها يُزعج محرّكهم وحليفهم حزب الله الديني. يُريدون قانونًا انتخابيًّا في دائرة واحدة لكي يقضوا على الصوت المسيحي بحكم تفوّق المسلمين الديموغرافي. انتعلوا عمدًا كوفيّة ياسر عرفات وكمال جنبلاط في الساحات، ليُزعجوا الثوّار المسيحيين الذين قاوموا في العام 1975، وليُخرجوهم من الثورة، وإلّا ما معنى أن نطالب جميعنا بالعلم اللبناني في الثورة بينما البعض يتزيّن ويتباهى بكوفيّة الإحتلال الفلسطيني السابق؟ فقد وصل بهم الاستفزاز لدرجة أنّ بعضهم يدّعي أنّه يناضل لأجل "حريّته" المتمثلة بأن يستطيع الظهور علنًا بالكوفيّة من دون أن يتعرّض له أحد! هكذا هم "المتعلمنون" المتعفّنون في الأكفان، عندهم اختصاص في "إيجاد مشكلة لكلّ حلّ" (التوصيف مستعار من "بروفيسورة" صديقة)، ففي العام 1975 نجحوا في تدمير لبنان سويسرا الشرق، كما نجحوا اليوم في تشويه إشراقات ثورة 17 تشرين، فكادوا يقتلون الأمل الوحيد بولادة لبنان جديد. هم الذين ركبوا على الثورة وهم مَن شرذم الثوّار وليست الأحزاب التقليديّة كما يزعمون. الأحزاب وحزب الله والمنظومة استفادوا من اتّخاذهم هم الثورة مطيّة ليس إلّا. في العام 1975 كان الفلسطينيون جيش الإسلام، والعلمانيّون جيش الفلسطينيين، فتكفّلوا بخراب لبنان. اليوم، وكما تُظهره الصورة الواسعة، حزب الله هو ذراع الملالي في لبنان، والعلمانيون اليساريون هم ذراع حزب الله في الثورة لجرّ لبنان إلى حرب جديدة وللقضاء عليه. أنا أتطلّع بشوق إلى اليوم الذي سيتخلّى فيه حزب الله عن عمالة العلمانيين اليسار له، والذي فيه سيكون مصيرهم نفس مصير الشيوعيين في إيران حين أكلهم الخميني لحمًا ورماهم عظمًا. إِيهِ والله، لن تكون نتيجة الكره للمسيحيين بأقلّ ممّا ذكرت. وحياتك ووحياة الصليب اللي حاملو شبعنا وعظ وتحذير وما خلونا وطروحات ما بِتْوَصِل لمحل. كرمال يسوع بكفي جمعيات ومؤسسات ورهبان منزوية وصفوف ذل ع بواب ما إلها لزوم. بجاه كل اللي بتحبهم بالصرح وبراتو طل علينا ودافع عن ارواحنا وعالقليلة حسبنا متل رياض وسليم وجان وسمير وميشال. سيدنا نحن عم نكفر وبلشنا نموت ببيوتنا، بلا شغل وبلا عيد وبلا امل وبلا ايداعات، وبلا طبابة وبلا مازوت بهالبرد وبلا كهربا وبلا بركة وبلا قيمة للانسان. بْحَلْفًكْ بالصليب اللي ع صدرك واللي بمثل موت يسوع ع إيد الخونة كرمال يخلصنا، عملك كزدورة ع بيوتنا، ما تْبَيْعِد كتير لان البنزين غالي، عملك برمة حول بكركي وضواحي جونيه والمنطقة اللي كل عمرها كان اسمها الكسليك، فتاح خزانات الناس وبراداتها ودق بواب غربة الرعية اليأسانة ببيوتها وشوف وين صرنا! سيدنا طرقات فتوح كسروان وساحلو صارت مسكونة بالاشباح، واللي قادر فل، واللي مش قادر عم يبكي او عم ينتحر. خبروك سيدنا عن العسكري المتفاعد اللي حرق حالو مبارح بالليل ببدنايل لانو بطل معو ياكل؟ سيدنا جماعة المنظومة والاقطاع وحتى الاكليروس اللي بزوروك كل يوم مش ناقصهم شي ابداً، بعدهم بسوقو سيارات فخمة، وبيحتفلو بأعياد ميلادهم، وبيعملو اعراس بملايين الدولارات، وبيلبسو احسن لبس، وبياكلو افضل اكل، وبيتصرفو بحرية بأموالهم اللي هربوها للخارج... سيدنا جماعة التركيبة الحاكمة والاوركسترا المدعيي المعارضة بعدهم بسافرو وبيشترو اراضي وبعلمو ولادهم خارج لبنان ونحن ولادنا عم تهج من هالبلد وعم تنشحط من مدارسكم لانو ما معها تدفع القسط. سيدنا اذا حكينا بيحبسونا، واذا تظاهرنا بخونونا، واذا بكينا بيتهمونا بالبطر، واذا هاجرنا بالخارج بَطَلُو يحترمونا، واذا متنا بيرتاحو منا، طيب عن جد حدا يخبرنا عند مين منروح؟ سيدنا التاريخ بقول مجد لبنان اعطي لمقام بكركي، طيب خبرو هالشعب اللي عم يتبهدل وين صرنا من امجاد بطاركتنا اللي ماتو كرمال شعبهم واللي رهنو كل شي تيحافظو ع وجودنا. سيدنا نحن تعبنا والدولار رايح صوب السما ونحن عم نركض ع جهنم، قولك التاريخ رح يرحم امجاد صارت فارغة بإيامنا القاحلة. شعبك عم يبكي واذا البطل والمخلص مش موجود يمكن الافضل نخلق بطل قبل ما تخلص الحكاية ونصير الذكرى. والله العظيم كتير هيك، ضياع، تعتير، ذل، تحقير، افلاس وناس صارت ع باب الله وما حدا سألان. رحمتك يا يسوع جورج يونس سأقول كلمتي ولن أمشي، بل سأبقى هنا حاملًا هويّتي اللبنانيّة بكل ترفّع وأنَفَة، ولن آبه لثرثرة الببغاوات حتّى ولو اتُّهمت بالتعصّب وإثارة الفتن الطائفيّة. في الأسبوعين الأخيرين، نشط بعض مَن يُسمّون أنفسهم "قادة رأي"، في المشاركة بلقاءات جوّالة حول الهويّة اللبنانية التي ما انتموا إليها يومًا، ولن ينتموا، لأنّ لا مكان لهم فيها. ومن "بيت مري" أطلقوا وثيقتهم تحت عنوان "لبنان السيّد حقيقة عربيّة". بالنظر إلى أسماء هؤلاء المدّعين قيادة الرأي، أرى أنّ من بينهم القومي العربي، والقومي السوري، واليساري المُلحد، والبعثي العراقي، والرومي من أتباع مقولة "التركي ولا بكركي"، والفَلّي من أتباع الحركة الوطنيّة وجهاز أمن 17 الفلسطيني...الخ. مِن بين هؤلاء مَن لا يؤمن بوجود هويّة للمجتمعات، لكن، ومن دون أن ينتبه وهو يتكلّم، يزِلّ لسانه وينطق بما يختزنه عقله الباطني حول انتمائه وهوّيته الدينيّة، فيقول: "أنا أرثوذكسي ولست كاثوليكيًّا". مِن بينهم أيضًا مَن يُريد أن يجعل منّا عربًا ولو على قوس قزح، فيتنكّر للتعدّدية في لبنان باعتبار أنّ البصمة الجينيّة الوراثيّة هي واحدة بين اللبنانيين بنسبة 90% (هذا الزعم غير دقيق)، ويتناسى، او لا يعرف، أنّ التعدّدية، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن تكون دينيّة، أو ثقافية، أو لغويّة، كما في سويسرا والكاميرون وبلجيكا وغيرها. والمضحك أنّ صاحبنا ارتكز على وحدة البصمة الجينيّة لدى اللبنانيين ليثب إلى اختلاق هويّة مركّبة لهم هي العربيّة، لكنّه لم يقارن بصمتهم الجينيّة مع البصمات الجينيّة لدى الشعوب العربية لكي نعرف ما إذا كانت هي نفسها! وهناك من بينهم مَن تأكّد له أنّ مسيحيي لبنان هم عرب لأن مملكة البحرين دشّنت أول كنيسة في البحرين هذا الأسبوع!! لماذا أمثال هؤلاء يغتصبون، بـِ "معرفتهم" الفولكلوريّة الاستعراضية، هويّتنا في هذا الظرف العصيب؟! يتمنّى البعض عليّ عدم التوقّف عند هكذا ظاهرة جوفاء، لكنّني حين أشاهد كيف يُمعن هؤلاء "المنظّرون" تشويهًا في الهويّة اللبنانيّة، يُصيبني تقبّض وألم في المعدة، خصوصًا حين يُهلوِسون بأنّ عروبة هويّتنا محسومة في اتّفاق الطائف، وبأنّ "لبنان السيّد حقيقة عربيّة"! تكفيني هاتين الهلوَستين لأُدرك أنّكم لا قادة، ولا أصحاب رأي. هويّات الشعوب ليست عقد بيع وشراء لتُحسم باتّفاق، بل هي تتكوّن من جملة عناصر كالجغرافيا، والتاريخ، والقيم، واللغة، والثقافة...الخ. فإذا كنّا كلبنانيين نختلف بعضنا عن البعض الآخر، أقلّه بالطباع، بين أهل ساحلنا وأهل جبلنا وأهل سهلنا، فكيف نكون كلّنا عربًا!؟ كيف نكون عربًا والبيئة الصحراويّة هي من صُلب الهويّة العربيّة، ونحن ليس لساحلنا، ولا لجبلنا، ولا لسهلنا أيّ اتّصال بالصحراء!؟ معروفٌ عنّي بأنّني أعشق الصحراء وأعشق عيشة البادية، ولي مع أهلها مغامرات لا تنتهي من صحراء البوليساريو حتى الربع الخالي. أتعرفون لماذا أعشقهم يا مدّعيي القيادة في الرأي؟ لأنّ الصحراء وأهل البادية لهم سحرهم الخاص الذي لا نملكه نحن!! والعرب بدورهم، يحبّون لبنان، ويضعونه في رأس قائمة البلدان التي يسيحون إليها، لأنّ لبنان بالنسبة إليهم فيه سحر وميزات ليست عندهم! فكيف نكون نحن وإيّاهم حاملين لهويّة واحدة!!؟ كنا نتمشى مرّة في Cannes ، على شاطئ الـ Côte d’Azur ، أنا وبعض أصدقائي العرب، فسألني أحدهم لماذا لا تسحرني Cannes مثلما تسحرهم، فأجبته: "لأنّ طبيعتها لا تختلف عن خليج جونيه الذي أعبره يوميًّا مرتين على الأقل". أصل إلى "لبنان السيّد حقيقة عربيّة". هذا الادّعاء الزائف المتزلّف يُسيء إلى العرب والعروبة قبل اللبنانيين، كما إنّه ينسف فلسفة "الميثاق الوطني" وجوهر ما يُعرف بِـ "لبنان الرسالة"! فالميثاق الوطني هو "تناغم حضاري" بين أناس يؤمنون بانّهم عرب وآخرين ليسوا عربًا، وجميعهم تحتضنهم بقعة جغرافيّة واحدة اسمها لبنان الكبير. فإذا سلّمنا بأنّ "لبنان حقيقة عربيّة"، ماذا يبقى من الميثاق، وبين مَن ومَن يكون هذا الميثاق؟ أوَليس في هذا النوع من الادّعاءات الإقصائية شيء من الإبادة الجماعيّة بحقِّ اللبنانيين ذوي الأصول غير العربيّة؟
وفي السياق عينه، ماذا يبقى من لبنان التنوّع والرسالة إذا وُسِم جميعنا بالعروبة؟ أوليس في هذا انتهاكٌ لشرعة حقوق الإنسان التي تؤكّد على حقّ كل إنسان في حريّة الفكر والضمير والدين!؟ أنتم يا منتحلِي صفة "قادة رأي"، هل أعطاكم الأرمن اللبنانيون وكالة لتحديد انتمائهم؟ وهل منحكم هذا الحقّ اللاتين اللبنانيون، أو الروم اللبنانيون، أو السريان اللبنانيون أو حتّى الأكراد اللبنانيون...؟ أمّا إهانتكم الكبرى بحقّ العرب، فتتجلّى بربطكم سيادة لبنان بعروبته، ما يعني أنّه إذا كان لبنان لا يتمتّع بالسيادة، فهو لا يكون عربيًّا، وما يعني أيضًا أنّ لبنان هو عربيّ "عالقطعة"، أي حين يكون مسلوب القرار أو محتلًّا، لا يكون عربيًّا! وكأنّي بكم، يا منتحلي صفة "قادة رأي"، تُدركون في لا وعيكم أنّكم لستم عربًا، لكنّكم تحتالون على العرب لاسترضائهم ولنَيْلِ شيءٍ من فتات خيرهم، وإلّا كيف تفسّرون ادّعاءكم بأنّ حقيقة لبنان السيّد عربيّة، وبأنّكم عرب، وأنتم لستم هذه ولبنان ليس تلك!!؟ وكيف تُفسّرون تملّقكم وتكلّفكم وتذلّلكم للعرب في بحر وثيقة "لبنان السيّد حقيقة عربيّة" التي تروّجون لها؟ ولتذكيركم فقط، لبنان لم يعرف السيادة، منذ مئة عام وعام، إلًا لمّا كانت هويّته تتّسم بالتنوّع وكان اللبنانيون متّفقين على إنّه "ذو وجه عربي". ومنذ فُرضت علينا عروبة لبنان في الدستور، أي منذ اثنتين وثلاثين سنة، ولبنان محتلّ على التوالي من السوري والفارسي والسلاح غير الشرعي. وعليه، فإمّا أنتم تجّار رأي على الطلب، وإمّا أنتم أغبياء جاهلون، أمّا المؤكّد الوحيد فهو أنّكم لستم بقادة رأي ولا تمتّون للمعرفة بصلة، وتحديدًا لا تعرفون شيئًا من شيم وأخلاق العرب. العرب إذا أحبّوا واحترموا، أكرموا، وإذا غضبوا وزعلوا، لن ينفع معهم لا الإغراء ولا الزحف على البطون ولا تقبيل الأيدي. العرب يحتقرون أمثالكم ممّن يخنعون تحت موائدهم في مواسم الانتخابات طمعًا بحفنة من الريالات. أنظروا إلى أمين الريحاني (الفيلسوف)، لم يلقَ من بعده أحد الرضى الذي ناله من الملك عبدالعزيز شخصيًّا، أكرمه بإهدائه سيفه الذي وحّد به المملكة، وأكرمه بإهدائه فرسه "نورا" الغالية على قلبه، وأكرمه حين وثِق به ليُعيد كتابة تاريخ "نَجد". كلّ هذا الإكرام والتقدير ولم نقرأ تملّقًا صغيرًا واحدًا من الريحاني في كلّ رسائله إلى الملك عبد العزيز، كما إنّنا لم نسمع يومًا أنّ أمين الريحاني أشهر إسلامه (مثلًا) إرضاءً للملك عبدالعزيز او للسعوديين. كلّما استعرضت أسماءكم يا تجّار الرأي أنتم، لا أجد قاسمًا مشتركًا بينكم سوى كرهكم لفكر "جبهة الحريّة والإنسان" اللبناني، وجوعكم لفتات مائدة ياسر عرفات الذي ترومون التعويض عنه بما تيسّر من الريالات والدراهم والدنانير الخليجية. ولا يفوتني ألمكم العميق اللاواعي والرافض لأن يكون للمسيحيين كلمة في لبنان! أوَليس من بينكم مَن اعتلوا المنابر الدوليّة لمناصرة القضية الفلسطينيّة ضدّ مسيحيي لبنان خلال حرب 1975؟ أوَليس من بينكم من كانت تصله دنانير معمّر القذافي لكتم أصوات المسيحيين وأرواحهم في لبنان؟ أعرف تاريخكم واحدًا واحدًا، وما محاولاتكم إلباس اللبنانيين الهويّة العربيّة، إلّا لطمس التنوّع من خلال إلغاء حضور مَن هم من جذور غير عربيّة، وتحديدًا المسيحيين منهم. أوَليس وليّ نعمتكم المُخَوْزق معمّر القذّافي هو القائل "من الضلال أن يكون المرء عربيًّا ومسيحيًّا معًا، في حين أنّ دين القوميّة العربيّة هو الإسلام"؟ أوراقكم رخيصة ومكشوفة، والهويّة لا يُناقشها تجّار رأي متذلّلين مثلكم، فارفعوا أيديكم عن هويّتنا اللبنانيّة، وبالنيابة عن سعيد عقل أقول لكم: "روحوا انضبّوا يا قلاعيط". إنها دعوة من مناضلين شرفاء لإنتفاضة عاقلة تُعبِّرْ عن غضب شعب ، غضبُ الشعب الثائر في وجه طبقة سياسية فاشلة وشعب يحلم بالتغيير الآتي لا كما حصل سابقًا . الغضب الثوري سيُحررنا من كل هذه الطبقة وهذا الغضب الممنهج والسليم المبني على منظومة سياسية واضحة المعالم والأهداف هو بداية رحلة نأمل ألاّ تطول وعلى أمل أن تنقلنا من الواقع المرير إلى مستقبل أفضل يكون نواة لبناء وطن الأنسان الخلوق لبنان السيّد الحر المستقل. الواقعية السياسية الحضارية هي منظومة نظرية في العلاقات السياسية والواقعية كما يتم وصفها وفقًا لعلم السياسة هي مجموعة من الأفكار التي تدور حول مقترحات مركزية تتمحور حول سياسة واقعية متجرّدة هدفها التغيير الجذري والبنّاء المبني على ركائز أساسية قوامها الصدق والنزاهة والغيّرية والعطاء الصادق . علينا الحذر من السياسيين اللبنانيين الفاشلين والمتحذلقين الذين يبرّرون كل يوم سلوكياتهم السياسية الخاطئة بأنها تندرج في سياق الواقعية السياسية ويُظهرون أنفسهم بأنهم الأكثر عقلانية وعلمًا وفهمًا وكل من يُعارضهم غير واقعي ولا عقلاني ، بل وصل بهم الأمر للتنكُّر للتاريخ اللبناني المقاوم وللقيادات الوطنية الشريفة وتحميلها وزر ما آلت إليه الأمور حاليًا . هذه الطبقة السياسية الفاشلة التي إمتهنت سياسة الإستعلاء على الشعب والإستيلاء على حقوقه ومقدرّات دولته بات من الخطأ الفادح أو ما يُصلح تسميته خطيئة الزنى إنْ تُرِكَتْ قابضة على مقدرات الحكم دون ضغط من هذا الشعب الأبيّ المناضل الشريف . أنْ تقترن الواقعية السياسية بسياسات وقادة يؤمنون بالقوة وحسابات موازينها وبإعلاء شأن مصلحة إيران وغيرها من الدول الطامحة بجغرافيتنا السياسية لا يعني أنّ مجمل نظرية الواقعية السياسية سليمة ، لأنّ الخلل في التوظيف الفّج لها من خلال اللجوء إلى القوة المفرطة والإستهانة بالقيم الإنسانية ... وهذا نهج يجب أن يكون مُدان على مستوى الداخل وعلى مستوى العلاقات الدولية ، والخلل الأكبر عندما يتم توظيف الواقعية السياسية أو الإدعاء بها من سياسيين لتبرير عجزهم وفشلهم وإنه ليس في الإمكان خير ممّا يكُن المنظومة السياسية التي تُحرِّرْ الوطن هي واجب ، المناضلون الشرفاء مسؤولون عن الوضع اللبناني وبكل تفاصيله الدقيقة ، ولا يُمكن لطبقة المناضلين أنّ يدّعوا أنهم لا يمكلون الوسائل التي من خلالها يمكنهم تحقيق الحرية للدولة ولمؤسساتها الشرعية سواء أكانت مدنية أو عسكرية ، إلاّ إذا كان هؤلاء متخاذلون ، إننا ندرك أنه لدينا مقدار لا بأس به من الحرية التي تؤهلنا للتحرك نحو منظومة سياسية محددة الأهداف والتوقيت يسمح لنا بالتغيير ، والمهم أن يكون لدينا النيّة السليمة لمباشرة العمل النضالي بكل تفاصيله وكما أقرّته شرعة حقوق الإنسان ... لا يحق لأي سياسي أنْ يدّعي أنه مالك السلطة وله الحق في تجييرها لأيٍ كان ، السلطة مُلك الشعب وله الحق في التصرف بها عملاً بمقدمة الدستور الفقرة / د / والتي تنص " الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية " ...
المناضلون الشرفاء لا تنقصهم الشجاعة حتى يُبادروا إلى عملية تغيير جذرية وجوهرية في بُنية النظام السياسي اللبناني والعزيمة متوفرة لدى النخب شرط ألاّ تستحيل يأسًا ، نعلم أنّ فقدان الثقة بالدولة وبالحكام نوّاب ووزراء ورؤساء أحزاب أمر بديهي ولكن هذا الأمر لا يجب أن يستمّرْ علينا تجديد العمل السياسي عملاً بالمادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وأمن على شخصه " كما تنص المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنّ " الحق في الحياة مُلازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا " كما نذكر أنّ المادة السادسة تعلن " حقًا لا يجوز تفسيره " وتنص المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز تضييق الحق في التحرر من القتل التعسفي أي أنّ هذا الحق لا يمكن تعطيله حتى في حالات الطوارىء . جوّعونا ، الأدوية مفقودة ، ظروف العمل غير متوفرة ، المالية العامة في حالة إنحدار تام ، الفقر على الأبواب ، شعبنا مهاجر الأوضاع الإجتماعية معدومة ، الأشغال متوقفة ، كل مستلزمات الحياة غير متوفرة ماذا بعد ؟؟!! أفقدونا كرامتنا في سراديب واقع سياسي كاذب حقود مستعلي ومتآمر ومرتهن ، نظام سياسي حالي معروف بإرتهانه للخارج تحكمه طبقة سياسية فاشلة تحمل السلاح خلافًا لقانون الدفاع الوطني وخلافًا لِما تمّ الإتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني ، نعم نحن ملزمون تغيير هذا الواقع والتغيير بات حاجة مُلحّة ، الحاجة تتطلب إنتفاضة صادقة مبنية على منظومة سياسية تعمل لمستقبل أفضل ولوطن محرر من هيمنة السلاح ومن إغتصاب الديمقراطية ومن نكْ المؤسسات الرسمية وفض بكارتها على حساب الزعران ... إنّ ما يحصل اليوم في لبنان من مظاهر الإرهاب والعنف السياسي والكراهية بين من هم مسؤولين سياسيين إنما هي مظاهر خارجة عن السياق الإنساني والحضاري والأخلاقي ، ويجب على المناضلين الشرفاء التصّدي لها من خلال إنتفاضة الشعب الأبيّ ولم يَعُدْ كافيًا إختصار ردود الفعل على تصرفات السياسيين ببيانات شجب وإستنكار نسمعها كل فترة بل هنالك حاجة ماسة لإطلاق إنتفاضة هادفة لمعالجة الخلل وهذه الآفة التي تهدف عمليًا إلى تدمير المجتمع اللبناني ونسف القيم اللبنانية والنيل من الجمهورية اللبنانية وتدمير كل مؤسسات الدولة . نعم لإنتفاضة شعب تتحلّى بالشجاعة والحكمة والإستقامة والرصانة بعد ال ١٩٤٨ زعماء الموارنة غطو دخول الفلسطينيي وإنفلاشهم لاسباب إنتخابية وخاصة بال ١٩٧٣ كيسنجر عرض على الرئيس فرنجيه، خلال زيارتو للبنان، هجرة المسيحيين بال ١٩٧٦ دين براون رجع عرض على رموز الجبهة اللبنانية، خلال زيارتو للبنان، ترحيل المسيحيين بال ١٩٧٦ رحب المسيحيون بتشريع دخول الحيش السوري ع لبنان بهدف تقييد التمدد الفلسطيني بال ١٩٩٠ تقاتل المسيحيون فيما بينهم، ثم تنازل نوابهم بغطاء بطريركي عن كافة الصلاحيات الرئاسية، وبعدها بيعو سلاحهم وبلش زمن الوصاية السورية بال ٢٠٠٦ تم تغطية تمدد النفوذ الايراني بلبنان من قبل المسيحيين بال ٢٠١١ بدأ النزوح السوري ع لبنان بحيث وصل عددهم لأكثر من ٢.٣ مليون نازح بال ٢٠١٥ وسط غيبوبة تامة للقيادات المسيحية، وتغاضي قاتل عن الخطر الداهم بالمدى الطويل، نتيجة امكانية توطين قسم كبير منهم بال ٢٠١١ طلب ساركوزي من البطرك الراعي خلال زيارتو لباريس، بأن يأتي الى فرنسا بمن تبقى من المسيحيين في لبنان وسوريا بال ٢٠٢٠ ازمة اقتصادية غير مسبوقة يتعرض لها الشعب اللبناني، بعد مصادرة اموال الناس من قبل مصارف مملوكة بأغلبيتها من قبل سياسيي لبنان ورجال اعمال ذو أغلبية مسيحية، وبعد اكتشاف قيام مصرف لبنان بإدارة حاكم مسيحي، بإقراض الدولة التي تعاني من النهب المبرمج والافلاس والفوض، من اموال المودعين
بال ٢٠٢٠ تفجرت بيروت وتفجر معها القضاء والاوادم بهالبلد بال ٢٠٢١ غرق كل الوطن بأزمة انهيار الاقتصاد والعملة بشكل غير طبيعي، وبعدو المسيحي ما بدو يفهم حجم إنغماس المسؤولين عنو بالمؤامرة، وإنو مشروع توطين البديل عنو بأرضنا جاهز وناطرنا بس تنفهم حقيقة مخطط المجتمع الدولي، واللي غاطس فيه كل المافيا عنا. بال ٢٠٢١ بالصدفة نزل كل شي فيه سلاح عالطيونة وصارو اهالي عين الرمانة ملاحقين اذا دافعو عن بيوتهم! هون بتمنى على جهابذة ال ما منترك جبلنا ووقف الله يخبرونا: "شو مقومات الصمود اللي وفرها المسؤولين عن مصيرنا تيبقى المسيحي بهالارض؟ يا هل ترى مبين شي معكن"؟ بال ٢٠٢١ زار البابا قبرص القريبة منا واعرب عن قلقو ع مصير المسيحيين بلبنان! قولكم إجى كل هالمسافة بس تيعرب عن قلقو علينا؟ بالنهاية، بعد كل هالسرد وحجم التورط الداخلي، بعدنا ما بدنا نفهم كيف رايحة الامور! عَ كل حال، خلو عيونكم ع صالة الخروج بمطار بيروت، صفوف اللي عم بفلو وحدا بتكمل الخبرية إِذرفوا الدموعَ على لبنان إِحرقوا الشموعَ من أَجل لبنان أَسمِعوا الجموعَ صوت لبنان!!! إِعتنوا بالصلا متِّنوا الصِله بِربِّ العُلى فهو سميعٌ مجُيب!! صعاليك العصابات ومسوخ الموآمرات في العالم وراء الكواليس السرِّية يحيكون أكفان الموت لأبناء الحياة. هل تُراهم عراة من المشاعر والأَحاسيس وأوجاع ومآسي الإنسان أَي إِنسان؟ شريعة الغاب هي هذه تهجم الوحوش الضارية والكاسرة لِنهش الضعفاء وافتراسهم. وبلاد الأرز الحبيبة الجميلة، مرآة الشرق والغرب الفاتنة الساحرة الخلاَّبة، اشتهاها أَقزام القيم والشيم وأعداء الذمم والشمم، فارادوا أن يفتعلوا فيها حسدا وحقدا وانتقاما، فاطَّرحوها في المزاد وراحوا ينسجون لها في الخفاء فساتين الجنازة الاحتفالية. لا لم تسلَم من مخالب الضباع والذئاب والتوابع!!! وبالفعل هوذا إِكليل الوداع مع مراسيم الإِعدام بشكل فاجر عاهر خليع. فتن وحروب وأوبئة، مشاحنات ونعرات وجرائم، اغتيالات ومجازر وتصفيات، كل هذا يندرج في خانة التعدِّي على مشيئة الله وسُننه في الطبيعة والخليقة، يعني أَبالسة الشر يعتدون على مخطط السماء على هذه الأرض التي لم تعرف الراحة منذ طرد آدم من الجنَّة. لبنان وطن النوابغ والمعرفة والأبطال والأدمغة، وطن اللون والحرف والابتكار والفتْح في المدِّ والمطلق، وهو الأنموذج الفاضح الواضح، الراهن الظاهر للعيان، أَهكذا يتعاطى معه أُوْلُوا الفهم والحصافة والعقل والحكمة؟ لم يَبقَ سفارة غريبة إِلا وتدخلت في شؤونه وتغلغلت في شجونه، ولا دولة كبيرة أَم صغيرة إلا وتأسَّفت على معاناته بالكلام ولم تقدّمِ سوى التأَسُّف الفاضي من المضمون والمعنى. وما يزيد النار اشتعالا هو صبُّ الزيت عليها، فبرغم تعاسة البشر وتعثُّرهم ويأسهم، يُضاف الافتراء الأَخلاقي واللعب في الاقتصاد العام بقصد إفقار الوطن والناس وتجويعهم وسلب جنى أَعمارهم والمقتنيات. بربِّكم من يسمح بهذا الظلم وهذا الجور إِلا الشياطين لإِهلاك بني آدم على هذا الكوكب المنكوب؟ من جوَّز انتهاك الكرامات وهتكها؟ تحضرني عهود عتيقة من الويلات والثبور فتقشعر لها الأبدان، انطلاقا من حرب الأربعتعش 1914 الى ما قبل مذابح 1860 و1840 وهكذا دواليك من المشاهد المؤلمة والمخزية في آن. واليوم تمشي في مسيرة الإِذلال مواكب وقوافل من البشر المُدَّعية التحضُّر والتقدُّم والازدهار، وما مَن يرحم ويرد هذا الغضب الساطع البغيض عن الأحياء تحت وجه الشمس في بلادي. مناظر الأطفال الجوعى والعيال نساء ورجالا، والصبايا والشباب مما يستدعيهم للهرب والهجران من أشباح الهزائم والتخضيع والعار. والأنكى ان الدول المقتدرة جاءت بأغراب من الياجوج والماجوج واسكنتهم لبنان الذي يكاد لا يسع أبناءه، وأَمَّنتهم بالماء والكهرباء والكسوة والمواد الغذائية وكل ضروريات الحياة على عينك يا تاجر!!! بينما شعبي الأصلي الأصيل يرزح تحت أَعباء الممارسات الإجرامية بحقه. هل بعد أوقح وأقذر؟ كما يقول الكتاب : "كَثِيرِونَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ في حضن إِبراهيم، وأبناء الملكوت يُطردون خارجا" متى 8/12؟! كيف ذلك يكون وبأي منطق يأتون؟ إِن أَهل البيت بالمعروف أَولى، فلماذا أَصحابه يتململون من قهر وضغوط وعيب؟ أَليس لأَنهم يرون بأُم العين ما يحصل وما يجري من تجاوزات ضد الأدب والأعراف والنظم، وما بالمستطاع أَي صدّ أَو أَية مقاومة؟! يا للخذلان يا للمسخرة. نعم هذه هي ألاعيب الدول عندنا. يعلمون جيدا أن بحرنا يحوي ثروة هائلة من الغاز والبترول، فهرولوا مسرعين واشترَوا مساحات أرض شاسعة وعمَّروا لهم أكبر سفارة اميركية في العالم، والهدف لحراسة البحر المعجوق بالكنز المرصود. يا لهم من جهنَّميين شريرين قتلة؟ وآخر ما ينحرنا في الصميم هو أَننا لم نتفق في لبنان كشعب مقسَّم لاتباع خلاصنا، فكل شريحة تلحق بقطيعها، وهذه الشرذمة سبَّبت هذا الاستغلال وسمحت به وزادت على الطين بلَّة. ما أَشطرنا في التنازلات وفي التخلي عن صلاحياتنا، فعمليات البيع والشراء سارت على قدم وساق في ظهرَانَيْنَا، وهذا ما أَسهم في تشتيتنا وضياعنا وهزالة صمودنا وضعف مواقفنا. لا نلومنَّ أحد فنحن نعتدُّ أَننا أنصاف الآلهة ونحن مَن حكم على سيزيف (إِله أ ُسطوري) بالطرد من الجنَّة مع صخر كبير، ولن يعود إِلا إِذا أَفلح وصعد بالصخر الى ذروة الجبل، حينئذ يتزعَّم علينا وهيهات!!!!! إِنَّ ما ولَّى وراح لن يعود كأَيامنا التي ذهبت مع الريح ولن ترجع لنا. وأَخيرا قضايا التحقيقات في ملفَّات الضحايا مع القاضي بيطار الصنديد النظيف المحترم ومع غيره من ملفَّات، هل لنا أَ نسأَل ونستفسر ما مصير كل هذه الإِشكالات في وطن العجائب والغرائب؟! نسأَل الله أَن ينير الضمائر الحيَّة وأَصحاب النيَّات الحسنة والإِرادات الطيِّبة، فيحنّ الله ويمنّ علينا بالطمأنينة والرضى وحده السميع المُجيب. يبدو أنّ الأمور العامة ذاهبة في إتجاه منحى إنحداري متعمّد يُمارسه كل من يُمسك بالسلطة اللبنانية سواء أكان في الصفوف الأمامية أو في ما بات يُعرف بال"المستشارين" ... المنحى الإنحداري يجري على كافة المستويات منها السياسية الأمنية الإقتصادية المالية وتتمادى هذه المنظومة السياسية في تفكيك أوصال ما تبقّى من هذه الجمهورية المحتضرة . إنّ عملية تخريب الجمهورية ممنهجة وواسعة النطاق وباتت تهدّد حياة اللبنانيين بأسرهم وتعمل على تفكيك كل الأسُس التي ترتكز عليها في العادة الدول المتحضرة . إنّ ما يحصل على الساحة اللبنانية هو نتاج صراع إقليمي – دولي دائر منذ أن إستولت مجموعة من اللبنانيين الخارجين عن القانون وبصريح العبارة عمّا تضمنّته وثيقة الوفاق الوطني من بنود وفي طليعتها إعادة بناء الدولة على القواعد الديمقراطية السليمة بما فيها حصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية تطبيقًا لمندرجات قانون الدفاع الوطني الذي هو في طليعة القوانين المرعية الإجراء. وبصورة أوضح هناك مكوّن لبناني يُصادر العمل الديمقراطي في لبنان ويُجيِّرَهْ للمحور الإيراني وبتعاون مُطلق مع من هم في سدّة المسؤولية الرسمية والذي تقع عليهم تبعة المحافظة على الدولة إستنادًا إلى ما ورد في المادة 50 من الدستور والتي تعدّلت بموجب القانون الدستوري تاريخ 17/10/1927 والتي تنص على " عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمة والدستور بالنص التالي : أحلف بالله العظيم أن أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ إستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه . " لبنان اليوم متروك للمصير الأسود القاتم ، وهو فعليًا فريسة صراعات داخلية بين المكوّنات السياسية المتخاصمة المجموعة شكليًا في مُسمّى الحكومة أي السلطة التنفيذية وهي تتخاصم على مغانم الدولة وعلى الحصص وحقوق الطوائف ، وإنّ الأمور تشي بالأسوأ ... وهذه السلطة تتغاضى عن تطبيق ما ورد في الباب الثاني من الدستور والمعنون : ثانيًا – رئيس مجلس الوزراء ، المواد : 64 – 65 – 66 . كما أنّ أي مسعًى لإخراج الوضع الحكومي من حالة الإرتهان والمُصادرة يبدو أمرًا مستعصيًا وهو بات في نفق مُظلم لا يبدو أنّ الأمور متاحة لإعادة الأمور إلى نصابها وفقًا للمواد المُشار إليها أعلاه وكما هي واردة حرفيًا في الدستور . الجمهورية اللبنانية على موعد مع الإنهيار الكُلّي ، ومن خلال الجولات التي حصلت عبر أصدقاء مهتّمين بالوضع اللبناني سواء أكانت على البعثات الدبلوماسية أو الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تتأتّى خلاصة مفادها أنّ الجمهورية اللبنانية في وضعية الموت السريري على يد سياسيين كذبة فاشلين ومرتهنين فاسدين والأسوأ أنّ الشعب مرتهن ومأجور ومُضلّلْ والقادة المتنوّرين عاجزين عن إتخاذ زمام المبادرة والأمور ستتحوّل إلى فوضى عارمة لا مثيل لها ولم يشهد لبنان مثلها منذ إعلان دولة لبنان الكبير . إنّ الجمهورية اللبنانية مشرذمة ومنتهكة السيادة وفُضّتْ بكارتها على أيدي لصوص إمتهنوا السياسة ووالوا الخارج لكي يجلسوا على كُرسي مخلوع ركائزه خارج الحدود ... الجمهورية اللبنانية وبسبب هذا الطقم السياسي الفاسد منسيّة كليًا ولا ثقة للأسف بأحد من هذه المجموعة الفاقدة للمصداقية ولعزة النفس تحكم بالعار والذل والتوتاليتارية . ووفقًا لبعض الذين إلتقيناهم على هامش أحد الندوات حيث إعتبروا "أنه لن يكون من السهل مرحليًا وضع حد للإنفلات اللاأخلاقي للسياسيين وفي مواجهتهم لطريقة الفساد السياسي التي أغرقت البلاد في أتون الطفر واليأس والإحتلال والتبعية والإرتهان تزامنًا مع وصول الأزمة الحكومية الحالية إلى حائط مسدود ، والمؤسف أنّ أحد حكّامكم والذي يُوالي عمدًا المكوّن المُسلّح يدّعي أنه ضده في مسألة تنحية القاضي بيطار" . عبثًا يُحاول المجتمع الدولي إيجاد مخرج ما للأزمة اللبنانية فالسياسة الدولية والإقليمية بما فيها الأمم المتحدة لن يستطيعوا إيجاد أي مخرج للأزمة طالما أنّ هناك عملية إستحالة لمقاربة موضوع الأزمة بعناوينه الصحيحة ولن يُجدي عملهم أي تقدّم طالما أنهم يُراهنون على التفاوض مع هذه القوى الفاقدة للمصداقية وهي قوى غير مؤهلة لقيادة الوطن نحو الأمام لأنها قوى مأجورة متآمرة على الوطن ومؤسساته المدنية والعسكرية الشرعية . إنّ المطلوب مقاربة موضوعية للوضع القائم والإعتراف بأنّ هناك قوة عسكرية تحتكر العمل السياسي والعسكري وتُصادر المؤسسات الرسمية بالتعاون مع من هم في سدّة المسؤولية الرسمية وبالتالي أي معالجة من هذا القبيل يصح فيها قول المثل اللبناني " متل إللي عم بيعبّي ماي بسلّة قش " . إنّ هذا المكوّن يُصادر الجمهورية ويُعربد ويتصرّف كأنه الآمر والناهي وعلى عينك يا تاجر ويدّعي أنه هو المسؤول الأول والأخير عن الجمهورية ويأتيك من هو في سدّة المسؤولية ومن على منبر أممي وعربي يُدافع عنه بالتفصيل المُمِّلْ وذلك كله لأنّ وُضِعَ في مقام ما ورغم أنف الكل ... إنّ الشعب اللبناني بات أسيرًا ومكتوم القيد والصوت والحرية مكبّل الأيدي ، فاقد الإنتماء والولاء للوطن وبلا دولة ولا مؤسسات ولا حكومة ولا قانون ، وكُل هذا الحراك القائم سواء أكان من بعض رجال الدين أو بعض من يدّعون أنهم ثوّار ما هو إلاّ " ضحك ع الدقون" نسبةً لأحد الأمثال فكم من مذكرة وقعتها مراجع روحية وكم من منشورات أعدّتها ولكنها وللأسف بقيت حبرًا على ورق لأنّ أصحابها ومع كامل إحترامنا لهم لم يتابعوها كما هومفترض وكما تفرض أصول العمل السياسي السليم بل ويا للأسف أحاطوا أنفسهم برجال فاقدي المصداقية ومستغلّين يُشبهون ما يعرفون ب " الطيور الموسمية " العابرة المستغلّي المراكز والباحثين عن دور والجاهدين في ممارسة لعبة الكتشاتبين . والأنكى منهم ( رجال دين وعلمانيين) من يدّعي ويُسوِّق أنّ الإنتخابات النيابية هي الفرصة الأخيرة المتاحة أمام الشعب إذا ما أراد إخراج نفسه من عهر السياسيين وإنقاذ الوطن والجمهورية والمؤسسات وسيادة القانون وتعميم العدالة ما هو إلاّ تهربًا من المسؤولية لا بل سرابًا فهم يعلمون علم اليقين أنّ الشعب مُصادر الإرادة ومرهون بقانون مزّيف ومنتهك ديمقراطيًا وكلامهم من أنّ الإنتخابات "باب للتغيير " إلاّ مجرّد وضع الملامة على الناس لتبرئة أنفسهم من دم الأبرياء الذين آمنوا أنهم المنقذ الآتي في يوم الرجاء ، وهم فعلاً يوضاسيّون . للأسف الوقت ينفذ والفرص غير موجودة وضيق الخيارات واقع لا مجال للهروب منها والشعب فقد الكثير من المحفزات التي تُساهم في التغيير وهو محكوم بطبقة سياسية فاسدة كاذبة والجمهورية في مهّب الريح . اعتدنا منذ هبّة الشعب في 17 تشرين الأوّل 2019، على موضة جديدة تسري بين المجموعات الثائرة من وقت إلى آخر. هيلا هيلا هُو، ثورة سلميّة، انتخابات نيابيّة مبكرة، انتخاب ممثلين عن الثورة، إطلاق وثيقة للثورة، الانتقال من الثورة إلى المقاومة، التغيير بواسطة الانتخابات النيابيّة...الخ. شعارات ومُوضات لا تكاد تظهر إحداها حتى تختفي وتُنسى ولا يعود أحد يسأل عنها. باستطاعة أيّ مراقب يَقَنٍ أن يُدرك بسهولة أنّ هذه الموضات أدخلت إلى الثورة نوعًا من السجالات السخيفة العقيمة، فحوّلتها إلى شراذيم من المجموعات المتناحرة. أخيرًا ظهرت موضة جديدة عنوانها "الهويّة اللبنانيّة"، وبدأت تُعقد الخلوات لمناقشتها، وتُنشر المقالات عنها، وتوزّع الدعوات للقاءات حولها. وككلّ المُوضات التي سبقت، بدأت المجموعات مرّة جديدة تنسخ عن بعضها البعض بشأن "الهويّة اللبنانيّة"، لكنّ الهويّة هي ليست موضة، ومن غير المسموح التداول بها بسطحيّة وسذاجة لنيل حُظوات، عند هذا أو ذاك، لأغراض انتخابيّة أو لمطامع ماليّة، خصوصًا أنّ أيّة دعسة ناقصة بموضوع الهويّة، ستُدخل اللبنانيين بمتاهات قد تصل إلى حدّ الإبادة جماعيًّا بحقّ مكوّن أو أكثر منهم. فمدّعو النخبويّة الحديثة العهد يقاربون هويّتنا اللبنانيّة من باب المصالح الاقتصادية مع الدول العربيّة لاسيّما الخليجيّة منها، كما يرون أنّ كثرة الادّعاء بالعروبة هو سلاح مضنٍ في وجه الهجمة الايرانيّة الفارسيّة على لبنان، غير أنّ هاتين المقاربتين هما بمثابة دعسات ناقصة ومتهوّرة، إذ لا الاستعراب المطليّ بالدّجَل سيُعيد العلاقة مع الخليجيين إلى سابق عهودها في ظلّ انكار اللبنانيين المتمادي للمشكلة الحقيقيّة مع أهل الخليج، ولا العرب سيقبلون بأن يتّخذهم اللبنانيون درعًا في وجه الفرس، بينما هم، أيّ اللبنانيون، يُجالسون ذراع الفرس المسلّح، حزب الله، في نفس البرلمان، ويتقاسمون معه المؤسسات الرسميّة اللبنانيّة، وما فتِئوا يصيغون البيانات الوزاريّة الحامية لسلاحه اللاشرعي، ناهيك عن أنّ نصف الشعب اللبناني، وبسبب "خونفوشاريّة" النخب الحديثة، لا يزال معتقدًا بضرورة احتضان هذا الحزب الإلهي لأنّه "يحمي لبنان" و "يردع العدو الصهيوني". بالنسبة لي، هذا التجديد في مفهوم الاستعراب لَهُوَ أخطر على لبنان وعلى المسيحيين، بالإجمال، من خطر الفرس ومشروع أمميّتهم الشيعيّة، لا بل يخدم الفرس ومشروعهم. فَمَن يتمسّك باتّفاق الطائف ويرفض مسّه مخافة أن تُطرح "المثالثة" على حساب المسيحيين، فهو بطرحه "الاستعرابي" الاستعراضي يأخذ المسيحيين إلى إبادتهم، وبإبادتهم سيُباد لبنان وتتحقّق الجمهوريّة الاسلاميّة الملالويّة. كيف؟ يصف المفكّر ميشال شيحا التنوّع اللبناني بأنّه "تشكيلة متوسطيّة هي الأصعب لحلّ رموزها"، ويخلص إلى القول: "ببساطة سكّان لبنان هم لبنانيون". لكن هذا التوصيف الواقعي والدقيق لم يجد طريقه إلى دستور لبنان عام 1943، واستُعيض عنه بميثاق غير مكتوب (عُرف)، وغير مُلزم إلّا أدبيًّا، بين المسلمين والمسيحيين، ومفاده انّ لبنان هو "ذو وجه عربي، يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب"، ما يعني أنّ لبنان لا ينتمي إلى الأمّة العربيّة وهذا يُرضي المسيحيين، وفي الوقت ذاته، لا يدين بالولاء لفرنسا ولا يطلب حمايتها وهذا يُرضي المُسلمين. الفيلسوف كمال الحاج يقول عن هذا الميثاق إنّه "ميثاق تناغم حضاري بين دينين كبيرين، الإسلام والنصرانيّة". انفرط مكوّنا الميثاق نهائيًّا في العام 1975 حين خرج المسلمون عن العُرف بموالاتهم القضيّة الفلسطينيّة وبعودتهم إلى الحضن العربي على حساب السيادة اللبنانيّة، ولم يتردّد المسيحيون في التحالف مع إسرائيل المعادية لكلّ العرب، فدخل لبنان في حرب الخمسة عشر عامًا التي أنهاها اتّفاق الطائف. صحيح أنّ اتّفاق الطائف أسكت المدفع، لكنّه أجحف بحقّ نصف اللبنانيين، لاسيّما المسيحيين، وتخلّى عن ميثاق الـ 43 الذي شكّل حجر الزاوية للتناغم بين المسيحيين والمسلمين، إذ ثبّت دستوريًّا أنّ "لبنان هو عربيّ الهويّة والانتماء" من دون أن يأخذ بالاعتبار مَن هم ليسوا عربًا. هل الأرمن عرب؟ هل الكلدان عرب؟ هل البيزنطيّون عرب؟ هل السريان عرب؟ هل الأشوريون عرب؟...الخ. لا مشكلة في اتّفاق الطائف تعلو على خطيئة مسح المسيحيين عن الهويّة اللبنانيّة، وهو الأمر الذي يدفع ثمنه المسلمون والمسيحيون معًا، إذ على قول صائب بيك سلام "لبنان ليس بمستطاعه التحليق بجناح واحد"، وبمحاولة الطائف التحليق بجناح واحد، هَوَت سريعًا أحلام السنّة العروبيين، ودُفنت إنجازات رفيق الحريري معه، وتسلّل الفرس مجدّدًا إلى لبنان بعد 2330 عامًا على طردهم من المنطقة على يد إسكندر المقدوني، فبات لبنان عربيًّا في دستوره وفارسيًّا في ممارساته وأساليب عيشه التي تتحوّل أكثر فأكثر يومًا بعد يوم. هبّ أهل "النخوة" لاستعادة العروبة الضائعة، فما كان منهم إلّا أن أعموها عوض أن يكحّلوها. خطيئة الميثاق الوطني ودستور 1943 هي أنّهما لم يحسما لبنانيّة سكّان لبنان. خطيئة الطائف المميتة هي أنّه تخلى دستوريًّا عن نظرة المسيحيين للبنان ولم يغتنم الفرصة ليحسم لبنانيّة سكّان لبنان. خطيئة أهل "النخوة" المستعربين الجُدد هي أنّهم لا يفكّرون بحسم لبنانيّة سكّان لبنان، وهم يضعون هويّة لبنان بين القوميّة العربيّة والقوميّة الفارسيّة، ولا مكان في حساباتهم لانتماء لبناني صرف، وهو الأمر الذي سيقضي على فكرة لبنان الأساسيّة "التناغم (في الحياد) بين دينين كبيرين، الإسلام والمسيحيّة"، لصالح التصارع في التناقضات بين قوميتين كبيرتين، العربيّة والفارسيّة، وعلى حساب المسيحيين. حمى الله لبنان من جهل الجاهلين وغباء الأغبياء، وأبعد عنّا الحاقدين الذين لا يريدون الاعتراف بتنوّع سكّان الأرض اللبنانيّة، فلبنان لن يقوم إلّا متى تعزّزت الإرادة في أن تعترف تشكيلة المكوّنات اللبنانية بعضها ببعض، ومتى نزيّن مقدّمة دستورنا بعبارة "سكّان لبنان هم محايدون لبنانيون، عاصمتهم بيروت". عندها فقط يحلّق طائر الفينيق من دون جناحين. |
صفحة الخطاب الحرّ على موقع مارونايت نيوز، تنشر مقالات لأصحاب رأي، وهي لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو مواقفه. وتبقى حريّة التعبير هي الأساس، والمناقشة الفكرية البعيدة عن الغرائز هي المبتغى
Archives
March 2022
|