مارونايت - "على هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 16: 18) 1.على صخرة إيمان بطرس بنى يسوع كنيسته، فهو يشبّه الكنيسة بمبنى قائم على الصخرة. لذلك تبقى ثابتة مدى الدهر، لأنّ حجر زاويتها هو المسيح نفسه. تفتتح الكنيسة في هذا الأحد الأوّل من تشرين الثاني "السنة الطقسيّة"، التي فيها تدور الكنيسة على مدى سنة حول شمسها ومصدر قوّتها وحيويّتها ونورها، يسوع المسيح، تمامًا كما تدور الأرض حول الشمس سنة كاملة، وتستمدّ منها النور والحرارة والحيويّة. وكما أنّه لا يستطيع أيّ كائن حيّ من إنسان وحيوان ونبات أن يعيش من دون الشمس وحرارتها ونورها، كذلك لا يستطيع أي مؤمن ومؤمنة أن يعيشا من دون كلام المسيح ونعمته. 2.وتحتفل الكنيسة اليوم، وهو الأوّل من تشرين الثاني بعيد جميع القدّيسين، الّذين لا يُحصى عددهم، وهم "يتلألؤن كالشمس في ملكوت الآب" (متى 13: 43)، حول العرش الإلهيّ والجالس عليه، كما يصفهم القدّيس يوحنّا الرسول في رؤياه. هؤلاء عاشوا ببطولة إيمانهم، ونحن نستشفعهم ليضرعوا من أجلنا لدى الله، ونجتهد في الإقتداء بفضائلهم. لهذه الغاية تحمل كلّ كنيسة رعائيّة أو ديريّة أو مؤسّساتيّة إسم قدّيس أوقدّيسة يكون لها الشفيع والمثال. 3. "على هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 16: 18). في قيصريّة فيليبس جرى حوار يسوع مع تلاميذه. والمكان موحٍ، ومن الرموز أُخذت المعاني والكلمات التي صاغت الحوار: "القيصريّة" هي المدينة التي بناها هيرودس فيليبس لإبنه إكرامًا للقيصر أغسطس الّذي كان يُلقّب يالإلهيّ. بناها على سفح جبل حرمون من الجهة الشماليّة الجنوبيّة حيث ينبع نهر الأردن، وعلى هذا السفح بنى قصرًا لإبنه محاطًا بصخور شاهقة. وفي هذا المكان عينه كان الرومان يكرّمون إله الحقول المعروف بإسم Pan، ومنه إشتقّ إسم بانياس اليوم. وكانت في أسفل الصخور فوهة كبيرة بشكل مغارة، كان الوثنيّون يمارسون فيها العبادة الجنسيّة تكريمًا للإله Pan. وفي الخارج أُقيم مذبح تُقدّم عليه ذبيحة الماعز. وعندما يظهر دم المذبوح على مياه النهر، تبدأ العبادة الجنسيّة. 4. أمام هذه المشهديّة كان اللقاء والحوار بين يسوع وتلاميذه. سألهم ماذا يقول الناس عنه، فأجابوه ما يقول الناس، أي إنّه "إمّا يوحنّا المعمدان، أو إيليّا، أو إرميا، أو أحد الأنبياء" (الآية 14). ذلك أنّ الناس في ذاك الوقت كانوا يعتقدون بالتقمّص. ثمّ سألهم: "وأنتم من تقولون أنّي هو؟". فكان جواب بطرس المفاجئ الّذي أملاه عليه إيمانه بالمسيح: "أنت هو المسيح إبن الله الحيّ!" (الآية 16). هذا الإعلان الإيمانيّ مأخوذ من وحي المكان. أنت لست ملكًا ميتًا كالقيصر الّذي زال، بل أنت المسيح الملك الحيّ. أنت لست كالإله الوثنيّ الحجريّ Pan الأبكم والأصمّ، بل أنت إله حيّ من إله، أنت "إبن الله الحيّ!". 5. إمتدح يسوع إيمان بطرس الّذي هو"عطيّة مجّانيّة من الآب السماويّ" (الآية 17). وكشف هويته الجديدة، وسلّمه مقاليد رئاسة الكنيسة، متّخذًا بدوره إعلانه من المشهديّة إيّاها. أنت الصخرة بإيمانك مثل هذه الصخور الشاهقة التي لا تزعزعها الرياح والأمطار. عليها أبني كنيستي الأبديّة التي ليست مثل قصر فيلبّس الّذي باد ولم يبقَ منه سوى بعض الحجارة المبعثرة. لن تقوى عليها قوى الخطيئة والشرّ، مهما كانا كبيرين مثل هذه الفوهة العظيمة حيث تُمارس العبادة-الدعارة. لك أعطي سلطان الحلّ والربط، وسلطانك على الأرض هو من الله ومؤيّد منه، وليس كسلطان القيصر المعطى من البشر وبالتالي من الأرض وللأرض. 6.إنّنا نجدّد اليوم إيماننا بالمسيح، مردّدين قول الآباء القدّيسين: "إيمان بطرس إيماني، إيماني إيمان بطرس!". فكما الكنيسة مبنيّة على إيمان بطرس والرسل والمسيحيّين حتى يومنا ومدى الدهر، كذلك نحن مدعوّون لنبني حياتنا: أقوالنا وأعمالنا ومبادراتنا ومواقفنا، على هذا الإيمان بالمسيح وتعليمه وتعليم الكنيسة. فيسوع ربّنا نفسه يستعمل صورة المبنى والصخرة لهذه الغاية، إذ يقول: "كلّ من يسمع كلامي ويعمل به، يشبه رجلًا عاقلًا بنى بيته على الصخرة. فهطلت الأمطار، وفاضت الأنهار، وعصفت الرياح، وصدمت ذلك البيت، فلم يسقط، لأنّ أساسه بُني على الصخرة" (متى 7: 24-25).. 7.هذا النص الإنجيليّ ينطبق على الأوطان والسلطة السياسيّة فيها. لا يمكن أن يُبنى مجتمع بشريّ ودولة بمعزل عن الكلام الإلهيّ، وعن الله، وإلّا عمّت فيهما البلبلة والفوضى الناتجة عن غياب السلطة الفعّالة أو ضعفها. وهذا ما جرى مع الشعب قديمًا عندما أرادوا بناء برج ينطح السماء، متحدّين الله السيّد المطلق فبلبلهم وفرّقهم من هناك على وجه الأرض كلّها. فكفّوا عن بناء البرج والمدينة. ولذلك سُمِّيت بابل إلى يومنا (راجع تك 11: 1-9). 8. هذه هي حالنا في لبنان: إستغناء عن الله وكلامه، بلبلة في المصالح الشخصيّة والولاءات الخارجيّة، غياب في السلطة الإجرائيّة، وفوضى إداريّة وأمنيّة من جرّاء السلاح غير الشرعيّ والمتفلّت والسرقات والإعتداءات، التهريب خارج البلاد وعلى حسابها، تسييس القضاء. وبكلمة سلطة غائبة وضعيفة وفوضى. إلى متى يتمادى المعنيّون، من مسؤولين وسياسيّين ونافذين وأحزاب، وبأيّ حقّ، في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة؟ ألا يخجلون من الله والناس وذواتهم وهم يعرقلون، لا حمايةً للمبادئ الدستوريّة والثوابت الوطنيّة، بل تمسّكًا بمحاصصتهم، والحقائب الطائفيّة، فيما نصف الشعب اللبنانيّ لا يجد "حصّة" طعام ليأكل ويوضّب "حقائبه" ليهاجر. يا للجريمة بحقّ الوطن والمواطنين! فليوقف جميع الأطراف ضغوطهم على الرئيسِ المكلَّف، لكي يُبادرَ بالتعاونِ مع رئيسِ الجمهوريّةِ إلى إعلانِ حكومةٍ بمستوى التحديات. لكنَّ ما رَشَح عن نوعيّةِ الحكومةِ العتيدةِ لا يُشير إلى الاطمئنان. 9. أمّا ما يختصّ بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، فيجب أن تشمل الحدود البريّة أيضًا بما يحفظ حقوق لبنان، بل وأن تثبّتها. فحدود لبنان الدوليّة مُرسَّمةٌ وثابتةٌ منذ إعلانِ دولةِ لبنان الكبير سنة 1920، ونَرفض المسَّ بها. لذلك حريٌّ بالدولةِ اللبنانيّةِ أن تَنطلق في مفاوضاتِها من خطِّ تلك الحدودِ التي أُعيد تَثبيتُها في اتفاقيّةِ الهُدنةِ سنة 1949 وليس من أي اتفاقيّةٍ أخرى. وإذ نُشدِّدُ على ذلك فلأنّنا نَتمسّكُ بوِحدةِ لبنان وكيانِه، فلا نُريد أنْ يُعبثَ بالدستورِ هنا وبالحدودِ هناك. كلُّ ذلك يؤكّدُ ضرورةَ عودةِ اللبنانيّين، كل اللبنانيين إلى كنفِ الدولة، وضرورةَ عودةِ الدولةِ إلى كنفِ الدستور. ففي المراحلِ المصيريّةِ تَبقى وِحدةُ الشعبِ، معطوفةً على اتّباعِ نظامِ الحِيادِ الناشط، أفضلَ شبكةِ حمايةٍ لبقاءِ لبنانَ بمنأى عن عَدوى الصراعاتِ التي تُهدد مِنطقةَ الشرقِ الأوسط، وبخاصةٍ بمنأى عن صراعِ الأديان، وأفضل مصدر لللإستقرار السياسي والنهوض الإقتصاديّ، وحماية دور لبنان للتلاقي بين الثقافات والديانات. 10.إنّنا نسأل الله أن نتّخذ القديسين، في عيدهم، قدوة لنا في سماع كلام الله الذّي يولّد فينا الإيمان-الأساس لحياتنا وأعمالنا. وفي أحد تقديس البيعة نلتزم بالمحافظة على قدسيّتها فينا نحن أعضائها لمجد الله وتسبيحه الدائمين، الآب والإبن والروح القدس. آمين
0 Comments
Leave a Reply. |
Archives
April 2023
|