مارونايت نيوز توطئة بقلم المطران سمير مظلوم رئيس المركز الماروني للتوثيق والابحاث عندما رغب إليّ الصديق الدكتور طانيوس نجيم أن أطّلع على كتابه الجديد " الموارنة من أعماق المعاناة الى رجاء القيامة" ، انكببت على قراءة تلك الصفحات الثلاثماية بنهمٍ وتأنٍ، فإذا بي أمام عدة كتب في كتاب واحد تحتار كيف تصفه: إنه ليس كتاب تأريخ بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، حيث يتحرّى الكاتب الأحداث ويدوّنها بدقة، ويسندها ببراهين ووثائق؛ ولا هو قصة من نسج الخيال يجهد الكاتب في جعلها قريبة من الواقع، بما يراكم حولها من تفاصيل يتفنن بوصفها؛ بل هو محاولة " قراءة أنتروبولوجية لتاريخ الموارنة"، كما يصفها د. نجيم في مقدمته العامة (ص2). هذه القراءة تنطلق من "زاوية العلاقة الإشكالية بين المعاناة الوجودية وإنجازات البقاء الحر الكريم". المعاناة هي إذاً القاسم المشترك والخيط الذي يربط بين مراحل تاريخ الموارنة ، ويميّز هذا التاريخ بالنضال المستمر ليبقى الموارنة أمينين لرسالتهم، حاملين مشعل الشهادة لربهم يسوع المسيح الشهيد الأول. ويستعيد الكاتب هذا التاريخ من المعاناة والنضال، متوقفا عند بعض محطات منه كادت تضع حدا لهذا الوجود الماروني المميّز، لولا العناية الإلهية التي كانت كل مرة تمد يد العون وتنتشل هذه الجماعة من الإندثار. فمن واقعة سنة 517 التي استشهد فيها 350 راهباً مارونياً، الى احداث التصادم مع الصليبيين الفرنجة الذين شنّوا هجوما على منطقة المنيطرة طاول المقر البطريركي في يانوح، وأقاموا بطريركا حليفا لهم على الساحل، ما تسبب بانقسام بين الموارنة ووجود بطريركين لهم في فترة معينة.
هذه الإنقسامات أضعفت الجبهتين الصليبية والمارونية، فاستغل التركمان عملاء المماليك هذه الفرصة "فهاجموا منطقة الجبة سنة 1282 وأحرقوا قراها ودكوا حصونها ، وسبوا السكان وعلى رأسهم البطريرك". ولم يكتفِ المماليك بهذه الحملة، بل كان عهدهم الذي غطّى الحقبة من 1250 حتى 1516 ، مجلبة ويلاتٍ على الموارنة، بل على كل اللبنانيين من أبناء الطوائف الإسلامية غير السنية، من شيعة ودروز واسماعيلية وعلويين وغيرهم. وبالرغم من مقاومة الموارنة البطولية وانتصاراتهم في عدة معارك طاحنة، إلا أن الحملات كانت تتكرر، ومعاناة الموارنة تستمر طوال عهد المماليك. غير أن أبواب الجحيم لم تقوَ على كنيسة المسيح، واستمر الموارنة في صمودهم ومقاومتهم وترسّخهم في جبال لبنان وأوديته. ولم يكن عهد العثمانيين الذين حلّوا محل المماليك طوال أربعمائة سنة، بأرأف من عهد أسلافهم، بالرغم من إدخال بعض التغييرات في أساليب المعاطاة مع البلدان المحتلة، وبصورة خاصة مع لبنان والإمارتين المعنية والشهابية اللتين حكمتا هذا البلد ، في ظل العثمانيين، طوال قسم كبير من هذه المدة . وبالرغم من كل المضايقات والتحديات التي فرضت على لبنان، يمكن القول إن القرنين السابع عشر والثامن عشر قد كانا مرحلة تقدم وازدهار على كل الصعد بالنسبة الى الموارنة: - فعلى الصعيد الداخلي، أتاح اتفاق الموارنة مع الأمير فخر الدين، ودعمهم الصريح للإمارة المعنية، الى فتح المجال أمامهم للإنتشار في كل المناطق اللبنانية، " حتى في الشوف حيث أحسنوا استثمار الأرض وتملكوا قسما منها بعرق جبينهم، وتعاطوا التجارة وأفلحوا فيها، وعززوا قوة الأمير العسكرية بولائهم ومصداقيتهم". وقد اختار الأمير مستشارين له ومدبرين موارنة، من آل الخازن، وولّى أبا نادر الخازن على كسروان وجبيل والبترون وجبة بشري، فأصبح الموارنة شركاء في الحكم، ولهم نفوذهم، وأسهموا بازدهار الإمارة، ونالوا قسطهم من ذلك الإزدهار اقتصاديا وثقافيا وديموغرافيا، وعمّروا الكنائس والأديار والمدارس ، وبفضل تلامذة المدرسة المارونية في روما ، الذين عادوا الى لبنان وكانوا رسل المعرفة والعلم والحداثة، أسسوا لنهضة ثقافية شاملة سوف تنعكس على لبنان بأسره والعالم العربي. - وعلى الصعيد الخارجي ، كان للمدرسة المارونية التي أُسست في روما سنة 1584 ، الفضل الأكبر في تخريج العشرات من طلابها المميّزين بالعلم والمعرفة والأخلاق، فانتشر عدد منهم في معظم جامعات أوروبا يعلّمون اللغات الشرقية، فأغنوا الغرب بما نقلوه اليه من كنوز ثقافية ومعلومات قيمة عن الشرق. وقد لعب البعض منهم دورا هاما في التقارب بين الأمير فخر الدين ودوق توسكانا الذي استضاف الأمير اللبناني طوال مدة نفيه ( 1613 – 1618) وعاونه على استعادة إمارته ، وزوّده بالمهندسين والخبراء الذين ساعدوه على إطلاق نهضة إقتصادية وثقافية وعمرانية عمّت كل البلاد. - وعلى الصعيد الكنسي، عرفت الكنيسة المارونية عهداً من النهضة الروحية، والإزدهار الثقافي والعمراني والتنظيمي، والإنفتاح على بلدان أوروبا وترسيخ العلاقات معها، وبصورة خاصة مع الكرسي الرسولي وبعض الإمارات الإيطالية، والدولة الفرنسية...لذا يمكن وصفه بالعهد الذهبي. ومن معالم ذلك العهد البارزة: + تأسيس المدرسة المارونية في روما سنة 1584 ؛ + وصول أول مطبعة الى دير مار أنطونيوس قزحيا سنة 1610 ؛ + أول "معاهدة" بين الموارنة وفخر الدين التي وضعت اللبنة الأولى في بناء لبنان الحديث؛ + إنتخاب أول بطريرك من تلامذة المدرسة المارونية في روما، هو جرجس عميره 1633 ؛ + إرتقاء عالم ثان من خريجي المدرسة المارونية الى السدة البطريركية، سنة 1670، هو إسطفان الدويهي " الذي جمع التراث الليتورجي واللاهوتي وحفظه وأحياه وفسّره وأغناه، وكان بحقٍ أبا التاريخ الماروني، الجامع بين الحداثة والأصالة في كتاباته، والسالك على دروب القداسة بفضائله". + تجديد الحياة الرهبانية، وتأسيس رهبانيتين جديدتين: الرهبانية اللبنانية المارونية على يد ثلاثة شبان حلبيين استقبلهم البطريرك الدويهي ، وألبسهم الإسكيم الرهباني، سنة 1695، ثم ثبت قانونهم سنة 1700؛ والرهبانية الأنطونية التي أسسها المطران جبرائيل البلوزاني سنة 1700. + توثيق العلاقة مع فرنسا ، والحصول على تعهد من الملك لويس الرابع عشر بحماية الموارنة القاطنين في جبل لبنان، وإسناد القنصلية الفرنسية في بيروت الى الشيخ حصن الخازن سنة 1655، وسيتوارث آل الخازن هذا المنصب حتى سنة 1758 + إنتقال الإمارة من المعنيين الى الشهابيين سنة 1697 ، والتزام الموارنة بتأييد الإمارة الشهابية، ومساندتهم الأمير حيدر في معركة عين داره سنة 1711 ، حيث انتصر االقيسييون على اليمنيين بشكل حاسم ، وثُبّتت الإمارة الشهابية التي ضمّت سهل البقاع ومدينة بيروت الى الجبل، فأمنت له الى حد كبير الإكتفاء الذاتي وإمكانية التواصل مع الغرب. + إنعقاد المجمع اللبناني سنة 1736، الذي نظّم بنية الكنيسة المارونية، جامعا بين أهمية التراث والسير بالحداثة ، وأصبح دستور هذه الكنيسة الى يومنا هذا. ومن أهم إنجازاته توصيته بالتعليم الإلزامي المجاني للفتيات والفتيان، وقد قام بتأمين هذا التعليم قدامى المدرسة المارونية الذين أنشأوا في معظم قرى لبنان ما سمي ب"مدرسة تحت السنديانة"، الأمر "الذي عمّم العلم على طبقات الشعب بكاملها وأعد لنهضة علمية أكيدة". ومن أشهر ثمار هذه النهضة وأينعها مدرسة عين ورقه، التي أسسها البطريرك يوسف اسطفان سنة 1789 ، وكان لها دور ريادي في النهضة العربية الحديثة، من خلال الكتّاب والمفكرين الذين تخرجوا منها، فاستحقت عن جدارة لقب " أم المدارس في سوريا ولبنان". أما القرن التاسع عشر فقد تضاعفت خلاله معاناة الموارنة، بسبب الثورات والإضطرابات والفتن الطائفية والحروب وسقوط المؤسسات، وتدخل قناصل الدول العظمى وتضارب مصالحها، ودأب الباب العالي على إثارة الفتن بين الموارنة والدروز وإشعال الحرب الأهلية بين الطائفتين ، فكانت موقعة أولى بينهما سنة 1841 تكبّد الموارنة فيها الكثير من القتلى ، واحتراق العديد من قراهم وممتلكاتهم. ثم تجددت سنة 1845 مع حجم أكبر من القتلى والأضرار؛ ثم انفجرت سنة 1860 مجزرة هائلة حصدت أكثر من عشرين ألف ضحية من الموارنة، بين دير القمر وزحله وجزين، وعشرات القرى في الشوف والمتن والساحل والبقاع. وامتدت الى دمشق أيضاً حيث استشهد حوالي خمسة آلاف مسيحي على يد جماعات إسلامية متعصبة استعملها العثمانيون لنشر الرعب وإثارة النعرات والإنقسامات بين الطوائف. على إثر ذلك تدخلت الدول العظمى وأرسلت حملة عسكرية فرنسية لإيقاف الحرب وإعادة السلام الى الجبل. وانكب سفراؤهم مع ناظر الخارجية العثمانية فؤاد باشا على إيجاد نظام جديد لجبل لبنان، أقروه في 9 حزيران 1861وعُرف بنظام المتصرفية. وقد أناط هذا النظام صلاحيات الهيئة التنفيذية بحاكم كاثوليكي أجنبي من رعايا السلطنة دعي المتصرف، يعاونه وكيل من الطائفة المارونية، ومجلس إدارة من اثني عشر عضواً، إثنان من كل طائفة . قوبل هذا النظام بتحفظٍ كبير من قبل الموارنة، لأنه حرمهم من منصب الحاكم الوطني وأسنده الى أجنبي. وقد جسّد هذا التحفظ الزعيم الزغرتاوي يوسف بك كرم، بمقاومة مسلّحة باسلة أخذت طابع الثورة على الحكم العثماني. لكنه بعد عدة معارك انتصر فيها على جند المتصرف ، اضطر كرم الى إيقاف تمرده والعدول عن مطالبه، والقبول بالذهاب الى المنفى، نظراً لضغط الدول العظمى التي تشبثت بالنظام القائم دونما طرح أي بديل او تعديل، ونزولًا عند رغبة البطريرك بولس مسعد الذي كان همه الكبير إيقاف الحروب والإنقسامات وإعادة اللحمة بين سكان جبل لبنان، ولا سيما بين الموارنة والدروز. دام نظام المتصرفية حتى نشوب الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ، حيث أقدم جمال باشا "السفاح" على إلغائه وإلغاء الإمتيازات التي كان ينعم بها الجبل. ولكن لا بد من الإعتراف أن نظام المتصرفية قد وفّر للبنان أمناً وازدهارًا نسبييّن طوال نصف قرن، أتاحا التغني بالمقولة الشهيرة: " نيال من له مرقد عنزة في لبنان" . وبالإضافة الى نمو الزراعة والحرف التقليدية وقطاع البناء، وبداية بروز صناعة عصرية، فقد تمرّس اللبنانيون خلال هذه المدة بقسط من الديمقراطية أهّلتهم للإنتقال الى الجمهورية . غير أن رقعة المتصرفية الجغرافية المحدودة لم تتمكن من استيعاب النمو الديمغرافي المتسارع لدى المسيحيين عامة والموارنة بصورة خاصة، ما دفع العديد من الشبان الى الهجرة والإنتشار خصوصًا في الأميركييتين ، بحثًا عن موارد رزق جديدة تحقق أحلامهم. ويكرّس الكاتب القسم الثاني من دراسته لمعاناة الموارنة في أثناء الحرب العالمية الأولى، ويجمع كميةً كبيرةً من المعلومات والتحاليل حول المجاعة الكبرى التى أودت بحياة ثلث سكان الجبل. ويركّز على الدور الرئيسي الذي لعبه جمال باشا في المأساة التي عاشها اللبنانيون: من إلغائه نظام المتصرفية والإمتيازات التي كان ينعم بها جبل لبنان، الى احتلال الجبل وفرض الأحكام العرفية، وحل مجلس الإدارة، وفرض حصارٍ بريٍّ على الجبل ومنع وصول القمح والمواد الغذائية الأخرى الى السكان، الى نفي عدد من المطارنة ووجهاء البلاد، وتنفيذ أحكام الإعدام بعدد آخر منهم، الى استهداف الكنيسة ومضايقة البطريرك الماروني وتهديده بالنفي ، الى نشر الرعب في كل البلاد ... ثم يستعرض د. نجيم بعض محاولات المقاومة والجهود المبذولة لإيجاد حلولٍ للمجاعة، ولا سيما المعالجات الكنسية، وعمل البطريركية والأبرشيات والرهبنات، في سبيل مساعدة السكان وإطعام الجياع، وتوزيع المساعدات الغذائية على كل القرى والمناطق. ويشيد بالتنظيم الدقيق الذي أرساه البطريرك الياس الحويك، وبالدور الإستثنائي الذي لعبه الخوري بولس عقل، وبتجاوب الرهبنات وكل أديارها مع طلب البطريرك وضع كل إمكانات الكنيسة في خدمة الشعب . ويبين في ختام هذا القسم كيف أن البطريرك الحويك عرف أن يحمل معاناة الموارنة واللبنانيين عامةً منذ أجيال، ويصوغها مطالب واضحة الى مؤتمر السلام في باريس بإنشاء دولة لبنان الكبير، وإعادة لبنان الى حدوده الطبيعية باستعادة الأقضية التي سلختها عنه السلطنة العثمانية، وكان هم البطريرك الأكبر الحؤول دون تكرار المجاعة وويلاتها. وهكذا " لم تذهب المعاناة سدًى، بل كوّنت حجةً قاطعةً لإقناع العالم بضرورة توسيع الكيان الى حدوده الطبيعية ... ليس لبنان الكبير منةً من أحد؛ بل هو مآل مسيرةٍ تاريخيةٍ بعيدة الأغوار في الماضي، ونتيجة مطالباتٍ ملحّةٍ على أعلى المستويات. " أما القسم الثالث من هذا الكتاب فيركّز فيه الكاتب على متابعة استمرار المعاناة عبر الممارسة السياسية في لبنان الكبير ، طوال القرن العشرين. أجل " لم تنته معاناة الموارنة بانتهاء الحرب العالمية الأولى". بل قد عانوا الأمرين من تسلّط المندوبين السامين الفرنسيين طوال مرحلة الإنتداب، وهناك عشرات الوثائق التي تحمل تشكيات البطريركين الحويك وعريضه من سوء تصرف هؤلاء المندوبين ، ومن معاملتهم السيئة للمسيحيين وانتهاك حقوقهم، وعدم معاملتهم بالعدل والمساواة مع سائر المواطنين. ولم يكن نصيب الموارنة من المعاناة مع مختلف عهود الإستقلال أقلَّ من معاناتهم في عهد الإنتداب. ولن أطيل في سرد أسباب تلك المعاناة، وهي معروفة لدى معظم اللبنانيين، ويكفي أن ننظر الى أي درك من الضعف والفساد والفقر وعدم الأمن وانتشار الجرائم ... بلغت دولتنا ، كي نقدّر عظم المعاناة التي يشعر بها كل المواطنين، ولا سيما الموارنة المخلصون الذين كانوا وما زالوا يحلمون بوطنٍ تسود فيه العدالة والمساواة والأخلاق العالية واحترام حقوق الإنسان، وبدولةٍ تكون على مستوى هذا الوطن ، وتجسّد فيه ما يطمح اليه المواطنون الصالحون. وينهي د. نجيم عمله الرائع هذا، في القسم الرابع، بمحاولة بلورة العِبَر التي يمكن استخلاصها من مسيرة الموارنة بكاملها. وسأكتفي في ختام هذه الكلمة بالإشارة الى بعض هذه العبر والتحديات التي يواجهها الموارنة في مسيرتهم نحو " رجاء القيامة . العبرة الأولى : إنعاش الذاكرة، أي وعي الأصالة والتجذّر في الثوابت، وهذا لا يتنافى مع التحرّر المفترض من تشوهاتٍ وأوهامٍ علقت بالمسيرة السطحية دونما ارتباط بالجوهر. " التجذر واجب والتحرر واجب بالقدر عينه. يبقى علينا التمييز بين ما هو أصيل جوهري لنتجذر به، وما هو طارىء دخيل لنتحرر منه." العبرة الثانية : الحفاظ على الذات برفض كل أنواع التبعية، أي رفض التذويب والضياع ضمن مجموعات كلّيةٍ تُفقد فيها الهوية الشخصية. وهذا يتطلب عدم الإصطفاف الأعمى، حتى وراء زعيم ماروني، واعتماد مُساءلة القيادات التي قد تؤثِر مصالحها الخاصة على مصلحة الجماعة العامة. العبرة الثالثة : وعي الأخطاء والمسؤوليات عنها. ففي معظم مراحل معاناة الطائفة المارونية يتحمل بعض أبنائها مسؤولية الإسهام في إضعافها والإنتقاص من حقوقها. فلا بد من مواجهة هؤلاء ومحاسبتهم على أخطائهم ، وتحصين الذات إزاء الإنحرافات التي تهدد وجودنا ومستقبلنا. العبرة الرابعة : استعادة الثقة بالذات، والتغلّب على الإحباط . فالمعاناة، مهما كانت عميقة، تصقل النفوس وتجعلها تنهض من كبوتها ، الى المزيد من العطاء والإشعاع. إن اكتفائي بهذه العبر الأربع لا يقلل بشيء من أهمية العبر الأخرى التي يستخلصها الكاتب، ولا من ضرورة التصدي الملحّ للتحديات التي يفرد لها الفصل الأخير من الكتاب. وإذ أهنيء مجددا البروفسور طانيوس نجيم على هذا العمل القيّم ، وأشكره على كل عطاءاته في المركز الماروني للتوثيق والأبحاث، سواء في مجلس الإدارة او في المجلس العلمي، وأتمنى له دوام العطاء، ولهذا الكتاب الغني بالمعلومات والتحاليل أوسع الإنتشار ، علّه يكون حلقة في سلسلة النشاطات التي يقوم بها المركز إعدادًا للمئوية الأولى لإنشاء دولة لبنان الكبير ، أسمح لنفسي أن أختتم هذه الكلمة ببعض مقتطفاتٍ من النداء الذي وجهه د. نجيم في 5 آذار 2010 الى الشبيبة المارونية في مؤتمر جامعة سيدة اللويزة : + " لا تخف أيها القطيع الصغير من التطلع الى المستقبل بعزم ورجاء. فالأمانة بانتظارك لتتسلمها على الرغم مما حلّ بها في الحقبة الأخيرة، ولا سيما على يد أبنائها ." + " الإلتزام بالعقيدة والمبادىء والقيم الخاصة حق لا غبار عليه، بل واجب يحفظ الذات واستقلاليتها وحرية الإنسان في التعبير. والإنفتاح على الغير ليس ارتهاناً له، أياً يكن هذا الغير." + " كن مثالياً في رؤياك الوجودية، فعّالًا في تطبيق مثاليتك في الواقع، أيا كان المجال الذي تحقق فيه ذاتك ورسالتك ". فيا عزيزي الدكتور طانيوس نجيم، نصائحك للشبيبة المارونية نابعة من أصالةٍ لا غبار عليها، ومن خبرةٍ مجبولةٍ بالمعرفة والصدق والمحبة. عسى أن تلقى تجاوبًا لدى الشبيبة فتنير طريقهم، وترسّخ التزامهم بقضية كنيستهم ووطنهم لبنان . من كتاب الموارنة من أعماق المعاناة الى رجاء القيامة
0 Comments
Leave a Reply. |
Archives
April 2023
|