top of page

أيها الماروني... إذا أردت أن تبقى مارونيًا، لا تخسر لبنان



مارونايت نيوز - لا تستسهلوا الهجرة. لا تفكّروا أنها مجرّد تغيير عنوانٍ أو رقم هاتف أو بلد إقامة. فأنتم، أيها الموارنة، لا تتركون وراءكم أرضًا فقط، بل تتركون جذورًا، وهوية، وكنيسة، وتاريخًا كاملًا لا يعوّض. هذه ليست مشاعر ولا أشعار... هذا واقع!

هل تظنّ أن العودة إلى لبنان ستكون سهلة بعد سنوات من الغربة؟ هل تعتقد أن الهجرة اليوم هي امتداد طبيعي لقصص بطولية سمعناها عن مغتربين لبنانيين تحدّوا المصاعب وبنوا المجد؟ قد يكون ذلك صحيحًا في حالاتٍ قليلة، وفي زمنٍ آخر... لكن دعنا نواجه الحقيقة: أنت لم تهاجر في حقبة الاستقلال، ولا في زمن الغربة الرومانسية. أنت تهاجر في زمن الأنظمة القاسية، حيث يذوب الإنسان الشرقي في مجتمعات لا تشبهه، ويتحوّل فيها إلى رقم آخر، بلا ذاكرة ولا صدى.



والمؤلم أكثر... أن هذه الهجرة لم تبدأ من المطار، بل من المدرسة! من تلك المدارس الخاصة المسيحية، التي – بقصد أو من دونه – حوّلت قاعاتها إلى معامل غسل دماغ جماعي. مدارسٌ لم تزرع في التلامذة حبّ الأرض والانتماء، بل ربّتهم على الاستعداد للرحيل. أساتذةٌ موظّفون، لا مربّون، علّموا الوطنية من كتبٍ مستوردة، وربّوا أجيالًا مستعدة للهجرة فور أول فرصة.



هل سألت نفسك يومًا، أيها الماروني، لماذا تندمج في المجتمعات الغربية بسرعة مذهلة رغم أنك شرقيّ حتى العظم؟ ألا يعني هذا أنك كنت مجهّزًا للانفصال؟ لا أحمّل المدارس كل الذنب، فالأسباب كثيرة ومعقّدة، لكنني أضيء على دورٍ مهمّ لطالما تغافلنا عنه.

الماروني في الاغتراب لا يبقى مارونيًا. لا تنخدعوا بالمظاهر. نعم، هناك قداديس، وهناك جوقات، لكن الحقيقة أن الماروني في الخارج يصبح كاثوليكيًا فقط، وتضيع الخصوصية المارونية وسط التعميم الليتورجي والتنظيم الفاتيكاني. أليس كل ما يُكتب على أبواب الكنائس: "الأبرشية الكاثوليكية المارونية"؟ أليست هذه الكنائس تابعة للفاتيكان إداريًا؟ فأين بكركي؟ وأين القرار الماروني الحر؟



هل توجد أبرشية في العالم جمعت الموارنة فعليًا تحت سقفها في الاغتراب؟ هل كل الموارنة يذهبون إلى الكنائس المارونية؟ وهل هذه الكنائس فعلًا تحافظ على الصلة بلبنان؟ أم أنها تسير بمنطق: "الهارب من فساد بلده، لا يهرب من الكنيسة ذاتها في المهجر"؟

الماروني لا يعيش في التراتيل فقط، ولا في مطرانٍ غريبٍ عن بيئته. الماروني هو أرضه، قريته، ديره، عيديّة مار مارون في شباط، ورائحة بخور سيدة قنوبين، وهوية بكركي التي لا تُختصر بتسميات ولا تتبع إلا ضميرها.



أيها الماروني، إذا أردت أن تبقى مارونيًا، لا تخسر لبنان، حتى لو اضطرتك الظروف إلى الهجرة. لا تبيع بيتك ولا أرضك. لا تغرق في الاغتراب حتى الاختناق، ولا تتخلَّ عن انتمائك، حتى لو أتتك رسائل مزيّنة تجعل من الهروب فضيلة.

الهوية المارونية ليست شهادة عماد، بل موقف حياة. والبيت الماروني ليس مبنيًا من حجارة، بل من قرار: أن تبقى، أو أن تعود، أو أن تبني جسرًا بينك وبين لبنان لا يُهدم.

المحامي الفرد بارود


الصورة: airam-dato-on-ZcvJ2DqSp6k-unsplash



1 Comment

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
Greta
Jun 03
Rated 5 out of 5 stars.

J’adore

Et tellement vrai

Like
bottom of page