top of page

إقصائيّون إقطاعيّون جُهّـال يُقرّرون مصير الإنتخابات والمتنوّرون يُحجّمــون



مارونايت نيوز - إنّ الديمقراطية هي هوية الشعب اللبناني، ومهمّة للممارسة السياسية الشفّافة، لكي نشعر بقيمة حضورنا السياسي والاجتماعي.ولكن مفهوم الديمقراطية في الاستحقاقات الانتخابية (نيابية – بلدية – اختيارية)، لا يُترجم فعليًا، بل هناك إقصاء لكل شخص آخر، وهذا الإقصاء يُمارس بطريقة ممنهجة مُنظمة تعتمد على نهج الدكتاتورية والكيدية، ومُمارسة ضغوط مادية ومعنوية تطال من سمعة المنافسين.في كل استحقاق انتخابي (نيابي – بلدي – اختياري)، ينال قابضو مراكز القرار في المجتمع اللبناني من المتنوّرين الشرفاء ويعتدون على حقوقهم، كما إنهم يبتدعون كل ما من شأنه أن يُعزّز سطوتهم على الناخبين والمرشحين، خصوصًا تجاه المرشحين وحتى الناخبين أصحاب المواقف غير المهادنة، حيث يحرصون على محاصرتهم، حتى يصل الأمر بهم إلى حدّ الانتقام منهم بوسائل رخيصة، منها الدعاية الانتخابية التي تطال سمعتهم وسمعة مناصريهم.



في هذا الاستحقاق البلدي والاختياري الذي بدأ في الرابع من أيار في محافظة جبل لبنان وأقضيتها، وكما كانت تجري العادة في المواسم السابقة، حُورب الشرفاء والمتنوّرون الذين ينتسبون للأحرار الذين يُقررون بكرامة من حقهم في ممارسة الترشح والتصويت ضمن الأطر القانونية والدستورية. لا بل حاربتهم أصوات الإقصاء والإقطاع، وهذا الأمر يؤكد أنّ الممارسات السابقة لهذه القوى الإقصائية والإقطاعية لم تكن مجرد عارضة أو اجتهاد مبني على وقائع، بل مجرد تصفية حسابات سياسية بين هذه المكونات التي كانت في السابق متحالفة مع بعضها، وأنتجت عهدًا بُنيَ على وثائق أدرجوها في خانة (السرية) نظرًا لاحتكارها السلطة فيما بين الأطراف الموقعة عليها، وهي فعليًا بمثابة ضرب للأطر الديمقراطية والحصرية التمثيلية في وظائف الدولة المدنية والعسكرية.

لا يمكن الاستهانة بتلك الإجراءات التعسفية التي يتم اتخاذها عقب كل استحقاق انتخابي، بغض النظر عن مضمونه وتشعباته.قضيّتا الإقصاء والإقطاع ليستا ترفًا، حيث إنّ التطبيع مع انتهاك حقوق المرشحين والناخبين، كيفما كانت، يُجرى على استباحتها أكثر فأكثر.والإقصاء والإقطاع عاملان يُحدثان عقابًا استثنائيًا يتمثّل في استهداف الرأي العام الذي لا ذنب له في اختيار أحقية مبادئه ومواقفه.



في هذه المرحلة من الاستحقاق الانتخابي (بلدي – اختياري)، نلاحظ كمركز أبحاث PEAC أنّ مفهوم الإقصاء في محافظة جبل لبنان وأقضيتها تجلّى في تهميش الشرفاء والمتنوّرين أو مجموعة من المستقلّين، لحرمانهم من حقوقهم، أيًّا كانت هذه الحقوق، وهو أمر مخالف للدستور والقانون، بل هو أصل فساد النظام السياسي اللبناني، الذي يعتمد على مبادئ الديمقراطية التي كفلها الدستور.

سِمة هذه المرحلة الانتخابية هي "الإقطاع السياسي الحزبي"، ويندرج الأمر في ثلاثة عناوين مختلفة ولكنها منسجمة من حيث شكلها ومضمونها: تنطلق من توريث سياسي حزبي تقليدي، إلى عائلات سياسية إقطاعية بورجوازية تعتاش من تعب وعرق اللبنانيين، وأشخاص غير كفوئين، مُضلّلين، غير مُلمين بأمور الانتخابات ونتائجها، يتمتعون بهامش من الجهل والغباء في التركيز وعدم المسؤولية.

عمليًا، ومن خلال المرحلة الأولى، تظهّرت عملية توريث من نوع مختلف وغير مألوف، ألا وهو توريث حالة حزبية تتخطى منطق الديمقراطية وحُسن الاختيار، وتوسّعت لتطال شريحة كبيرة من الناخبين، على حساب مرجعيات لها الأفضلية في إدارة شؤون بلداتها بلديًا واختياريًا، نظرًا لما تتمتّع به من علم وخبرة ومعرفة ومصداقية.

استنادًا لما حصل في الرابع من أيار (بداية المعركة الانتخابية البلدية والاختيارية)، حصل نوع من غلبة القوة، وإلى ما يُعرف بالشرعية الزائفة غير الديمقراطية، لهدف امتلاك البلديات والمراكز الاختيارية واحتكارها بالكامل كإقطاعية سياسية خاصة، وخاصة للأحزاب والمرجعيات المتحالفة مع بعضها البعض.

هذا الإقطاع الانتخابي، الذي حصل نتيجة عملية تصويت شابتها العديد من العيوب، أفضى إلى تمثيل مكوّنات مجتمعية تبعية من قبل هذه القوى (قوى إقطاعية بورجوازية إقصائية) تطرح نفسها كممثل عن مصالح مكوّنات محافظة جبل لبنان بأقضيتها.

هذا الأمر، وفق النظام الديمقراطي، أنتج مبدأ الاحتكار المبني على الرشوة المالية، وأوهمت هذه القوى الناس بوحدة وجودها وهويتها ومصالحها، وهذا ما سيُنتج تبعية لرؤاها وسياستها باعتبارها المعبر والمدافع والمحقق لمطالب الرأي العام.

ما تمّ رصده في كل أقلام الاقتراع في محافظة جبل لبنان وأقضيتها، أنّ مشكلة شعب (مندوبي لوائح...) أنهم لا يدرون، ولا يدرون أنهم لا يدرون، حيث استفاضوا في ضرب نهج الديمقراطية الانتخابية، والأحرى أنهم لا يحملون أي مؤهلات علمية تسمح لهم بالتمييز بين الحق والباطل، ولا انتماء وطني خلقي يتمتّعون به.على ما يبدو، اعتمد ساسة الأمر الواقع المعنيّون بالاستحقاق الانتخابي مبدأ "مشروع التجهيل"، الذي هو مكمّل لمشروع الفساد، والركيزة الأولية له.

وقد صحّ ما قيل لنا أثناء اليوم الانتخابي من أحد الأكاديميين: "جيب الفاسد يتخِّم بالمال المنهوب، لأن العقل الجاهل مُقفل ومفتاحه بيد السيد. لا خلاص من الفساد إلاّ بالتخلّص من الجهل، ولا خلاص من الجهلة إلاّ بدورة الزمن التي تتجدّد فيها شجرة الوعي والديمقراطية".

إنّ ما حصل في بداية الاستحقاق الانتخابي يؤكد أننا ذاهبون إلى عصر الإقصاء والإقطاع والهمجية، وتحجيم المتنوّرين، لأنّ المسؤولين غيّبوا كفاءة القرار والإدارة السليمة.والأمر لا يمكن أن يستقيم دونما اهتمام وجودة ودقة الاختيار، لإعادة مبدأ تداول السلطة على قواعد الديمقراطية والكفاءة والنزاهة.

حذارِ من أن تتّصف نتيجة هذه الانتخابات بسلوكيات وممارسات تسلطية شمولية إقصائية إقطاعية، تؤجّج الصراعات بين اللبنانيين، وتُفرّغ الديمقراطية من مضمونها وأهدافها، بممارسات ظهرت في بداية الاستحقاق الأول، ما يحول دون تجذّر التجربة الديمقراطية في الجمهورية اللبنانية.

بسام ضو

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page