
مارونايت نيوز - إنّ خطاب القسم والبيان الوزاري ربما لا يفيان بالغرض، لأنّ الوضع السياسي بكل تشعباته يتطلب إصلاحًا ينطلق من الخطاب والبيان، علمًا أنّ مضمونيّ الخطاب والبيان في طبيعتهما مرجعيتان توصلان إلى ما يصبو إليه الرأي العام، إن اقترنا بعملية إصلاحية شاملة متشعبة.
وفق منظور العلوم السياسية، فإنّ الإصلاح عملية تراكمية في مواجهة موجة الفساد المستشرية في البلاد وعلى كافة الصعد. وفي المنطق العلمي والدستوري، لا يمكن لأي سياسي أن يدّعي قدرة الإحاطة بكل جوانب الإصلاح. وبصريح العبارة، لا يستطيع أيّ كان، مهما كانت قدراته، الاستجابة لأي عملية إصلاحية إن لم يقرنها بسلسلة من الاجتماعات المتخصصة في كل المجالات.
ما يحتاجه النظام السياسي مرحليًا هو إصلاح شامل لكامل مفاصل الحياة السياسية، المتضررة بكمٍّ هائل من السياسات الفاشلة التي حكمت الجمهورية وتداولت على حكمها لفترة طويلة جدًا. وقد تعرّضت الجمهورية في هذه المرحلة العجاف لشلل تام في كامل قواعدها الحيوية التي تعتمد عليها الأنظمة للحفاظ على قوتها، ومنها على سبيل المثال: نحر الديمقراطية، السلاح غير الشرعي، التمادي في خرق القوانين، والتدمير الممنهج للاقتصاد والمالية العامة في البلاد. وهذا ما أدى إلى تدهور الحياة السياسية.
إزاء هذا الواقع المرير، وعلى كافة الصعد، بات من الضروري أن تكون هناك عملية إصلاحية بنيوية، بحيث تتمكن البلاد خلال فترة العهد الحالي من العودة إلى الريادة والتقدم ضمن نظام ديمقراطي برلماني. وهذا ما سيؤثر إيجابًا على الحياة السياسية، العسكرية، الاقتصادية، المالية، والاجتماعية. إنّ الإصلاح البنيوي المطلوب سيكون الباب الرئيسي لانطلاقة العهد، نتيجة عمل إصلاحي ونظام وقائي من المفترض أن يشمل كل الجوانب السياسية. وشمولية الإصلاح البنيوي تشمل أعمدة الحياة السياسية اللبنانية، والمنطق العلمي يقول: "كل إدارة معطّلة يجب إصلاحها وتشغيلها، كل ما هو فاسد يجب طرده من الحياة السياسية، وكل ما هو صالح يجب المحافظة عليه وتطويره."
إنّ إنجاح العهد وحكومته الأولى يتطلب شروطًا أساسية لا بد من إنجازها ضمن مسارات عديدة يجب أن تنطلق بخطى متوازية ومترابطة. ومن أهم هذه الشروط نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، التشريع، وهو المسار الذي يتضمن العديد من الإصلاحات التشريعية، أبرزها:
درس وإقرار قانون انتخابات نيابية عادل ومتوازن يعيد انتظام العمل السياسي الديمقراطي، ويسمح للناخبين بإيصال من يريدون إلى الندوة النيابية، لا كما كان يحصل سابقًا من اعتماد ممنهج لاغتصاب الديمقراطية.
وضع قواعد دستورية وقانونية لبعض الأمور، مثل انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهل الدستورية، التكليف والتشكيل، وعدم تغيّب النواب عن الجلسات.
تحديث بعض القوانين، مثل قانون الأحزاب والجمعيات، وإقرار تشريعات ناظمة للحياة السياسية اللبنانية.
ضمان استقلالية القضاء ومنع تدخل السياسيين في شؤونه.
تعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية عبر دراسات تعدّها لجنتا الدفاع والخارجية النيابية.
إقرار برنامج تطوير القطاع العام ووقف التوظيف العشوائي.
الإصلاح المالي والمحافظة على خزينة الدولة، وإرجاع حقوق المودعين كاملة دون مماطلة أو التفاف.
ضمان حرية المعتقد وإبداء الرأي، شرط عدم تجاوز القوانين.
ما يجب السعي إليه هو إصلاح بنيوي شامل يشمل الأبعاد السياسية، العسكرية، الاقتصادية، المالية، والاجتماعية. بناءً عليه، يجب أن يتضمن العديد من المفاهيم، مثل: التنمية السياسية، التحديث السياسي، التغيير السياسي، والتحول السياسي. على أن تتسم عملية الإصلاح البنيوي بالتغيير الجذري لا الاستمرارية أو التراجع عنه.
إنّ أي تراجع أو تغيير مؤقت لا يمكن اعتباره إصلاحًا حقيقيًا، فأي تحول يتم من خلال أشخاص مارسوا السياسة وفشلوا، هو ضرب للنظام الديمقراطي واستمرارية لنظام سلطوي فاسد أدى إلى خراب القيم الديمقراطية. وقد عاش الشعب اللبناني هذا الواقع طوال الفترات السابقة، والعودة إلى هذا النمط لا يُعَدّ إصلاحًا.
الإصلاحات البنيوية الضرورية للنظام السياسي المتمثل بالعهد وحكومته، وفق مراكز الأبحاث ومنها مركز PEAC، تشمل المنظومة السياسية القائمة في المجتمع اللبناني وبنية المؤسسات الرسمية، كما تشمل مؤسسات الحكم (مجلس النواب، الحكومة، السلطة القضائية...). وهذا يعكس أنّ الإصلاح البنيوي المقصود يهدف إلى تحويل جزء من المؤسسات الرسمية إلى مؤسسات تتبع النهج المؤسساتي الديمقراطي.
إنّ الإصلاحات البنيوية الضرورية للنظام السياسي المتمثل بالعهد وحكومته يجب أن تكون مجموعة من الإجراءات والخطوات الهادفة إلى الانتقال من منظومة فاسدة متحكمة وفق الأطر الدكتاتورية إلى مؤسسات تقوم على قاعدتي المشاركة والتمثيل الصحيح والسليم. وكما يوصفه علم السياسة، فإنّ الإصلاح البنيوي هو "عملية إصلاحية تقوم على التعديل والتطوير الجذري في شكل الحكم والعلاقات السياسية والاجتماعية داخل الدولة، ضمن إطار النظام القائم، وبالوسائل الديمقراطية المتاحة، وفقًا لمفهوم التدرج الديمقراطي."
Comentários