مارونايت نيوز - في أعالي جبال شمال لبنان، وتحديدًا في بلدة إهدن، وُلد طفل في الثاني من أغسطس عام 1630. هذا الطفل الذي كان مقدرًا له أن يصبح رمزًا من رموز الكنيسة المارونية، هو إسطفان الدويهي. عاشت عائلته البسيطة والمتدينة في وسط مجتمع متمسك بإيمانه وتقاليده، مما زرع في قلب إسطفان حب الدين والرغبة في خدمة الكنيسة منذ نعومة أظافره.
الرحلة إلى روما
حين بلغ إسطفان سن الثالثة عشرة، أدركت عائلته ومجتمعه المحلي موهبته الفريدة في التعلم وفهم الدين. وبتشجيع من القادة الروحيين، أُرسل إلى روما للدراسة في كلية مارونيون. هناك، في قلب الكاثوليكية، تلقى إسطفان تعليمًا عميقًا في الفلسفة واللاهوت، مما أكسبه معرفة واسعة بالأديان وتقاليد الكنيسة.
العودة إلى الوطن
بعد سنوات من الدراسة والتحصيل العلمي، عاد إسطفان إلى لبنان عام 1655. كانت العودة إلى الوطن بداية مرحلة جديدة في حياته. فقد شغل منصب أسقف أبرشية قبرص، حيث عمل بلا كلل لتعزيز الإيمان وتعليم الكهنة. لكن مسيرته لم تتوقف هنا، ففي عام 1670، تم انتخابه بطريركًا للكنيسة المارونية، ليصبح القائد الروحي للشعب الماروني.
سنوات القيادة والتجديد
بصفته بطريركًا، كان إسطفان الدويهي يعرف جيدًا التحديات التي تواجه الكنيسة. بدأ بإجراء إصلاحات جذرية تهدف إلى تعزيز الانضباط الداخلي وتحديث النظام الكنسي. أسس المدارس والمعاهد اللاهوتية لتعليم الكهنة وتحسين مستوى التعليم الديني، مما ساعد على نشر المعرفة الدينية في صفوف الشباب الماروني.
لم تكن الإصلاحات مقتصرة على الجانب التعليمي فقط، بل شملت أيضًا الطقوس الدينية. عمل إسطفان على تحديث الطقوس لجعلها أكثر تناغمًا مع التقاليد الشرقية والغربية، مما ساهم في توحيد الممارسات الدينية وتعزيز الهوية المارونية.
المؤلفات والعلاقات الدولية
لم يكن إسطفان مجرد قائد ديني، بل كان أيضًا كاتبًا ومؤرخًا بارعًا. من أهم أعماله كتاب "تاريخ الطائفة المارونية"، الذي يُعد مرجعًا مهمًا لتاريخ الكنيسة المارونية. كما كتب "سير القديسين"، حيث جمع فيه حياة القديسين والشهداء الموارنة، ليكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.
في سياق آخر، قام إسطفان بعدة رحلات إلى أوروبا، وخاصة إلى الفاتيكان، لتعزيز العلاقات بين الكنيسة المارونية والكرسي الرسولي. كانت هذه الجهود حاسمة في الحصول على دعم مادي ومعنوي للكنيسة المارونية، مما ساعدها على الاستمرار والتطور في مواجهة التحديات.
البناء والتطوير
كان لإسطفان رؤية واضحة لتطوير البنية التحتية للكنيسة. قام بإعادة بناء وترميم العديد من الكنائس والأديرة التي تضررت بسبب الحروب والصراعات. كانت هذه المشاريع جزءًا من جهوده لتعزيز وجود الكنيسة وضمان استمراريتها.
الإرث والذكري
توفي البطريرك إسطفان الدويهي في 3 مايو 1704، لكنه ترك إرثًا خالدًا في تاريخ الكنيسة المارونية. إن إصلاحاته وجهوده في تعزيز التعليم والتواصل مع الكنائس الأخرى، جعلت منه شخصية محورية في تاريخ الكنيسة. تحتفل الكنيسة المارونية بذكراه سنويًا، تكريمًا لرجل قدم الكثير لإيمانه وشعبه.
خاتمة
تظل قصة إسطفان الدويهي درسًا في القيادة والإيمان العميق. إنه مثال حي على كيفية أن التزام الفرد بقيمه وإيمانه يمكن أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا ومستدامًا في مجتمعه.
المراجع
المرجع في تاريخ الكنيسة المارونية
كتاب "تاريخ الطائفة المارونية" للبطريرك إسطفان الدويهي
من خلال هذه المراجع، يمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر عن حياة البطريرك إسطفان الدويهي وإسهاماته في الكنيسة المارونية.
الفرد بارود
コメント