top of page

البلديات تكشف ملامح المرحلة: صعود التحالفات وتراجع الأحزاب التقليدية في جبل لبنان



بقلم: فريق مارونايت نيوز

حملت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية التي شهدتها محافظة جبل لبنان يوم الأحد 4 أيار 2025 مؤشرات سياسية تتجاوز حدود العمل المحلي إلى عمق المزاج الشعبي في لبنان. فبنسبة اقتراع بلغت 45.08%، بدا أن الناخب اللبناني، ورغم الأزمات المتلاحقة، لا يزال يبحث عن أدوات تعبير ديمقراطي، لكن بشروط جديدة فرضها واقع مأزوم وثقة مكسورة بالأطر السياسية الكلاسيكية.

اللافت في هذه الدورة لم يكن فقط عودة الزخم الديمقراطي إلى البلديات بعد انقطاع لسنوات، بل بروز تحالفات محلية واسعة، وأحيانًا هجينة، استطاعت أن تُحدث خرقًا في معاقل قوى تقليدية، أو تكرّس زعامات مناطقية مستقلة. ففي جونية، مثلاً، فازت لائحة "نهضة جونية" برئاسة فيصل إفرام بنسبة 67% من الأصوات، بدعم من تحالف ضم القوات اللبنانية، الكتائب، ومجموعات مدنية. هذا النموذج، بعيدًا عن الاستقطاب السياسي، أظهر فعالية العمل التنسيقي على قاعدة الإنماء والتنظيم، لا الإيديولوجيا.

في بكفيا، معقل آل الجميل، فازت لائحة “إرادة صلبة بتعمل فرق” برئاسة نيكول الجميّل، بكامل أعضائها، في ما يمكن اعتباره تجديدًا للثقة الشعبية ضمن بيئة الكتائب التاريخية، وتأكيدًا على استمرار وزن العائلة السياسي رغم المتغيرات.



أما في جبيل، فقد شكّل فوز لائحة “جبيل أحلى” المدعومة من النائب زياد حواط والقوات اللبنانية، إشارة واضحة إلى رسوخ نفوذ هذه الثنائية، بعدما نالت اللائحة كامل المقاعد، من دون خروقات تُذكر. ومع ذلك، فإن هذه النتائج، رغم رمزيتها، لم تترافق مع هيمنة واسعة على مستوى الأقضية الأخرى، ما يبرز حدود الحضور الحزبي التقليدي حين لا يقترن بتحالفات شعبية محلية قوية.

في المقابل، تراجع التيار الوطني الحر في عدد من البلدات التي كانت تُعتبر امتدادًا طبيعياً له، منها حارة حريك، حيث فازت لائحة مدعومة من النائب آلان عون، ما يعكس انقسامات داخلية في أوساط المؤيدين أو تبدلًا في المزاج المحلي. وفي حالات أخرى، مثل سوق الغرب ويحشوش، حافظ التيار على موطئ قدم، لكن من دون أن يكون ذلك نتيجة اندفاعة سياسية واسعة.

كذلك، واجه الحزب التقدمي الاشتراكي انتكاسات في بعض مناطقه التقليدية، أبرزها بلدة الباروك، حيث فازت لائحة معارضة للخط التاريخي للحزب، ما يشير إلى تغير في المزاج الشعبي داخل الجبل، حتى في قلب الشوف السياسي.



وسط هذه النتائج المتفاوتة، برزت التحالفات المحلية كمفتاح أساسي للنجاح، خصوصًا تلك التي استطاعت تجاوز الاصطفافات الحزبية الجامدة لصالح شعارات واقعية مثل “الإنماء”، و”استعادة الخدمات”، و”إدارة المال البلدي بشفافية”. بدا الناخب وكأنه يقول: "لسنا ضد السياسة، لكننا تعبنا من الفشل المتراكم".

نسبة الاقتراع، التي تجاوزت الـ60% في بعض أقضية كسروان وجبيل، وأقل من 40% في المتن، تعبّر عن تفاوت في الحماسة الانتخابية، لكنها تؤكد أن البلديات ما زالت تشكل منصة شرعية للتعبير عن مطالب الناس اليومية، من المياه إلى النفايات، مرورًا بالخدمات والكهرباء.

في المحصّلة، تعيد انتخابات جبل لبنان رسم بعض الخطوط في المشهد المحلي، لكنها ترسل رسالة وطنية بامتياز: لا حصانة دائمة لأي حزب أو زعامة، ولا مستقبل سياسي إلا لمن يملك مشروعًا واضحًا وفعّالًا لخدمة الناس. الأحزاب التي لم تلتقط هذه الرسالة بعد، قد تجد نفسها لاحقًا خارج المعادلة، ولو بالبطاقات الصفراء التي يرفعها المواطن بهدوء من صندوق الاقتراع.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page