مارونايت نيوز - بسام ضو - يسعى بعض الذين يُمسكون بمركز القرار في لبنان ومنهم بعض اللاعبين الفاعلين على المسرح السياسي اللبناني لتوسيع ما يُعرف بدائرة خياراتهم السياسية -–العسكرية -–الإقتصادية /المالية -–الإجتماعية ، وغالبًا ما تكون هذه الخيارات كلفتها باهظة على الجمهورية اللبنانية بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية وحتى على الشعب اللبناني . على سبيل المثال لا الحصر وقعت الجمهورية في العام 1989 تحت خيار الحروب العبثية والتي أنتجت إتفاق الطائف الذي أضحى دستورها لغاية اليوم ، وفي العام 2005 كان خيار بعض المراجع الدولية إصدار القرار 1559 ، والذي على ما يبدو حاولت بعض القوى صاحبة النفوذ عرقلة تطبيقه ممّا أنتج حالات من الفوضى على كافة المستويات ، إضافة إلى خيار "إتفاق الدوحة " في العام 2008، الذي كان نهاية لأزمة سياسية بين ما يُعرف بالموالاة والمعارضة والتي كادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني ، وللتذكير هذا الإتفاق حدّد آلية لبحث قضية السلاح خارج الشرعية ممّا يعني "سلاح حزب الله" . هذا الإتفاق أو شبه التسوية بقيتْ حبرًا على ورق فلسفتها البيانات الوزارية تحت عنوان " جيش -–شعب -–مقاومة " وعلى ما يبدو كلفتها باهظة الثمن على الجمهورية ولن ينجو الشعب من تبعاتها لغاية اليوم .
إنّ منهجية إعتماد السياسات الخاطئة منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني دفعت الوضع العام في البلاد إلى أسوأ الأزمات في تاريخها السياسي ، ويبدو أنّ اللاعبين السياسيين لا يتداركون حجم الأخطأ التي يرتكبونها بحق المؤسسات الشرعية الدستورية وبحق الشعب اللبناني ، وبعد هذه الفوضى العارمة في ممارسة السياسة أطلّت الفوضى من جديد ، بحيث غابت مبادىء السياسات العامة التي يعتبرها علم السياسة أداة شديدة الأهمية التي من المفترض أن تعتمدها السلطات العامة لحل أي معضلة معينة تواجهها .
إنّ الخيارات الخاطئة غالبًا ما تكون مكلفة ، ولمواجهتها ضمن الأطر الديمقراطية الأمر يتطّلب صياغة سياسات عامة وتنفيذها بشكل علمي فعّال على أرض الواقع وتقييم تأثيراتها المباشرة والثانوية في الأفق المنظور ، وعلى المدى البعيد توفير مجموعة من الشروط السياسية والمؤهلات المؤسساتية والقدرات الفنية والجهود التواصلية بهدف تحقيق الفائدة القصوى للمواطنين وللجمهورية ، وهذه ثوابت غير متوّفرة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأزمة اللبنانية حيث السيادة منتهكة والقرار مُصادر والمؤسسات الرسمية تنهار واحدة تِـلوَ الأخرى .
إنّ أي تسوية مبنية على خيار خاطىء ، حتمًا ستؤدي إلى فوضى عارمة في الجمهورية اللبنانية وكمركز أبحاث PEAC نتخوّف من طلائع تسوية يُحكى عنها قوامها إعادة إنتاج سلطة على ركائز القوى المتسلّطة حاليًا وأبطالها مراجع روحية وسياسية توافقت على ما يبدو فيما بينها على تعويم نفسها في هذه المرحلة وإنها تنسجم في المعطيات والنتائج مع ما إعتُمِد منذ العام 2004 وتحديدًا ( 17 أب 2004 – مسودة القرار 1559 ، والذي تمّ إقراره في 2 أيلول 2004 ) المقصد هنا سكِرتْ قوى المعارضة في حينه في نشوة نصر غير مؤكدة بينما قوى الممانعة عمِلَتْ على عرقلة تطبيق بنود هذا الإتفاق وسعت إلى ضربه من الأساس مستعملة الخطة التي باتتْ معروفة ملموسة والمعمول بها حاليًا . وما نوّد الإشارة إليه أنّ الأمور اليوم تُقاد بنفس الطريقة ولكن تحت عباءة دينية – سياسية ، من نفس الطبقة الحاكمة لإعادة التمديد لمسارها الإنحداري تحت غطاء "إعادة إنتخاب رئيس للجمهورية وبداية إنتظام المؤسسات..." حقًا إنه الخيار الخاطىء والمُكلف والحذر من خطورته.
من المؤكد أنّ صانعي هذا القرار في لبنان سيخُضِعون الرأي العام اللبناني إلى ضغوطات سياسية ومطالب شخصية فئوية ستؤثر على واقع الجمهورية اللبنانية بسبب عوامل ثلاثة تُساهم في إرساء هذه التسوية ، أولاً – عدم وجود معارضة منتظمة لها تنظيمها وإحترافيتها في ممارسة العمل السياسي وتفتقر لخارطة طريق للمواجهة . ثانيًا – هناك نهج سياسي روحي –
علماني يخدم مصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة . ثالثًا – سياسة عامة منتهجة تؤدي إلى إعادة توزيع المغانم على ما هو قائم حاليً . خلاصة الخيار الخاطىء مرحليًا هــو : فرض تكاليف على الشعب مقابل تحويل منافع لصالح المجموعة المستبدّة في الحكم ، ما قد يُبقي الأمور على ما هي عليه ، وعمليًا هذا الأمر يكتسي أهمية بالغة في عملية مُصادرة السلطة بين إتجاه سياسي سلطوي عميل وازن داخل المجتمع السياسي اللبناني .
إنّ الجمهورية اللبنانية نتيجة هذا الخيار الخاطىء تقف على مفترق طرق خطير وتحتاج الأمور إلى إعادة النظـر بشكل جدّي وعميق في الأسلوب وفي وضع وتنفيذ وتقييم سياسات مختلفة للمواجهة ، بدلاً من أن يتُّم الإستناد إلى إدعاءات مبنيّة على الحدس والكذب المختارة في الشكل والمضمون لدعم مصالح هؤلاء الساسة القليلي الإيمان والضمير ، كما ضرورة الإستعانة بتقييمات علمية تنجــزها مراكز الأبحاث المستقلة كي لا تبقى الخيارات الخاطئة الدائمة الكلفة.
Comentarios