top of page

السيادة يجب أن تكون تامة وناجزة وغير منقوصة وإلاّ الفوضى

Writer: د. بسام ضود. بسام ضو


مارونايت نيوز - علم السياسة يؤكد، لا بل يُشدِّد على مبدأ واضح، ألا وهو أنّ الدولة ذات السيادة التامة هي الدولة التي تتمتّع بالسيادة المطلقة والعُليا، وحتى السلطة النهائية على أراضيها. ومن المفهوم عمومًا أنّ الدولة ذات السيادة المستقلّة هي التي تخضع في شؤونها الداخلية أو الخارجية لرقابة قواها الذاتية، لكامل التراب الوطني، ولكل المؤسسات الرسمية الشرعية المدنية والعسكرية.

إنّ الجمهورية اللبنانية جمهورية معترف بها دوليًا، ولها قوانينها ودستورها، كما أنّ كل الدول التي تتمتع بالعضوية في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية تعترف بالجمهورية اللبنانية، وبقبولها عضوًا في هاتين الجمعيتين العربية والدولية. وبالتالي، باتت الجمهورية اللبنانية مُلزمة بتطبيق مندرجات القوانين ذات الصلة بأمورها.



من المفترض على ممارسي السياسة في الجمهورية اللبنانية معرفة أنّ الجمهورية اللبنانية شرعية، معترف بها دوليًا وعربيًا، وفي المعنى القانوني لسيادتها، فإنها خاصية من خصائص الدولة، والمتمثلة في حقها المطلق في ممارسة مجموعة من المهام والصلاحيات الداخلية والخارجية، دون الخضوع إلى سلطة أخرى تعلوها. إنّ مضمون السيادة ملازم للدولة، والذي لا يزول بزوال هذه الخاصية.

في الجمهورية اللبنانية، واستنادًا إلى الواقع المُعاش منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني، هناك تناقض بين مبادئها والممارسة، حيث إنّ السلطات السياسية المتعاقبة مارست سلطتها تحت ضغط سلطة خارجية، وبمؤازرة داخلية من مكوّن لبناني يُخالف أبسط القواعد الدستورية وقانون الأحزاب والجمعيات. وبات مؤثرًا فيها، وأفعاله تتعارض مع القانون اللبناني والدولي، كما تُعرقل إرادتها وتُقيِّدها، ولا حاجة لتفسير الوقائع المُعاشة على صعيد ما تمّ ذكره.



من مسلَّمات علم السياسة، تُلفت مراكز الأبحاث السادة الساسة إلى احتكار الاختصاص، أي بصريح العبارة، أنّ سلطة الدولة هي وحدها التي تُمارس أعمالها على كامل التراب الوطني وعلى الشعب، دون منافسة من أيّ كان. والدليل الحسّي على التناقض الظاهر في الممارسة السياسية اللبنانية هو بروز مكوّن تعاطى في كل شاردة وواردة في أمور الدولة على كافة الصعد، مما قوّض فعليًا عمل الجمهورية في السنوات الماضية، لا بل عطّل كل مؤسسات الدولة.

الأمثلة كثيرة ومتشعبة على صعيد تعطيل السيادة الوطنية. وعلى سبيل المثال، تُشير أغلبية مراكز الأبحاث، ومنها مركز PEAC، إلى أنّ هناك من كان يحتكر ممارسة الإكراه المادي والمعنوي والعسكري دون منافسة، وبطريقة دكتاتورية، مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية والقانون اللبناني. كما أنّ هذا المكوّن احتكر، لا بل مارس الضغوط على القضاء في كل مفاصل الدولة، وفي عرين وزارة العدل، سواء أكان الأمر للخواص أو لصالح دولة إقليمية.

كما لا بُـدّ من الإشارة إلى أنّ هذا المكوّن صادر كل المرافق العامة، من معابر برية وبحرية وجوية، وتعليم، واتصالات، وصحة، ودفاع، وأمن. وهذا ما جعل الجمهورية غير مستقلة، تُمارس سلطتها بطريقة إملائية وتقديرية، كما يُراد لها من قبل هذا المكوّن، أي حصر حرية اتخاذ القرارات والتحرك والعمل حسبما يراه ملائمًا لمصالحه، والخضوع للتوجهات الإقليمية المعروفة.

بالإشارة لما تمّ وصفه في جلسات الأمم المتحدة الموثّقة، حيث ورد التوصيف بما يلي: "سيادة القانون هي مبدأ للحوكمة، يكون فيها جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنًا، وتطبق على الجميع بالتساوي، ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان..." (أي 20215).

إنّ مفهوم السيادة يقتضي الالتزام بكافة التدابير الكفيلة بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمساءلة أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنُّب التعسُّف، والشفافية في الإجراءات القانونية (المرجع: تقرير الأمين العام – سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع S/2004/616).



سيادة الدولة على كامل ترابها الوطني، وخصوصًا في أرض الجنوب، ثابتة غير قابلة للجدل. وبالإشارة إلى دخول الاحتلال الإسرائيلي إليها نتيجة إقحام الدولة بما عُرِف بـ**"إستناد غزّة"**، فإنّ هذا الأمر ورّط الجمهورية اللبنانية في احتلال نتج عنه وقف إطلاق نار ألزم كل الأطراف المتنازعة ببنوده، منها المعلنة ومنها المستورة، لكنها جميعًا كانت مجحفة بحق السيادة الوطنية.

إنّ سيادة الدولة على كامل التراب الجنوبي، ولا سيّما ضمن المناطق التي تحتلها إسرائيل، هي البند الأساسي للتحرير. وتعود أهميته في القانون الدولي العام إلى ارتباطه الوثيق بمفهوم الدولة السيّدة، حيث لا بُدّ أن يكون لها نظام قانوني – عسكري شرعي يتوّلى إدارة الوضع الأمني على الحدود مع دولة إسرائيل، دون أي شريك، أو أي تفسير خارج المنطق القانوني، أو ما يُشكّل خطرًا على السيادة الداخلية لأرض الجنوب.

كما يرتبط هذا الأمر ارتباطًا وثيقًا بالدستور، الذي يحمي شرعية الدولة على ترابها، ومن خلال تطبيق قانون الدفاع الوطني، الذي يحصر، لا بل يؤكد حصرية حماية الوطن بقوى السلطة الشرعية وحدها.

الخلاصة:

السيادة يجب أن تكون تامّة، ناجزة، وغير منقوصة، وإلا فإنّ الفوضى ستعمّ البلاد. ولكي تصل الجمهورية اللبنانية، بتركيبتها الدستورية الحالية، إلى معالجة معضلة الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يشمل العديد من المبادئ السيادية، فإنّ المطلوب مرحليًا هو:

  1. منع الحرب أو اللجوء إلى تعكير الأمن الداخلي والسلم الأهلي والإقليمي.

  2. حلّ معضلة الاحتلال الإسرائيلي عبر نشر الجيش اللبناني وسائر قوى السلطة الشرعية، وبمؤازرة قوات الأمم المتحدة.

  3. نزع سلاح حزب الله ومنع أي تنظيم مسلّح على الحدود اللبنانية.

  4. التشدُّد في تطبيق مندرجات القرار 1701 بحذافيره.

  5. الالتزام بالسلم على الحدود، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والتي تُعتبر بمثابة الشرعية الدولية.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page