منذ الامس وشعبي مذهول بما حدث في حضانة "الجديدة"، وكأن حياة ويوميات هذا الشعب، هم اشبه بخلطة نعيم سحرية لا يديرها اوباش من مخلفات الحرب تحت مسمى أشباه رجال الدولة او أثرياء الحرب!
وانا أرى وابل التعليقات التي انهمرت علينا، تخيلت نفسي فجإة اعيش في وطن الأخلاق والانسانية وإحقاق الحق! لقد تناسى شعبي الذي اشرأب لمهاجمة صاحبة دار الحضانة ومساعدتها المختلين عقلياً وإنسانياً وأخلاقياً، إن لبنان منذ اكثر من اربعين عاماً بات اشبه بنسخة متطورة عن دار الحضانة تلك. حتى الشعب نفسه تناسى كيف اقتلعت أعين شبابنا على يد حراس احد لوردات الحرب فقط لأنهم يطالبون بأبسط حقوقهم. الشعب نفسه، طمر رأسه في التراب، وراح يتراقص على اوجاعه، متناسياً أرواح الضحايا التي قتلها اباطرة المنظومة عندنا ورموا جثثها في الأبار وأعماق الأودية والأرض والبحار. الشعب نفسه تعرض لأبجح انواع السرقة في التاريخ، حين نهبت أمواله من البنوك وممتلكاته من السجلات دون أن يعتقل اي من الناهبين. هو الشعب نفسه الذي فُجِرَت مدينته وطمرت اكباده وأهله تحتها دون أن يتجرأ احد منه على سحل او اعتقال اي من المتهمين. هو الشعب نفسه، الذي بات بمجمله يبتلع لقمته المغموسة بالدم وهو يتلقى الصفعات من منظومة باتت لا تعرف إلا السرقة وسفك الدماء. هو الشعب نفسه، الذي هرول مهاجراً الى اقاصي الدنيا، هرباً من "نيارين" العصر الحديث الذين باتوا يتفننون بتعذيبه جهاراً وامام الاعلام العالمي والمحلي. هو الشعب ذاته، الذي ما برح يتفرج على رجال الدين عنده وهم يحمون الفاسدين والمجرمين وينادون بالعفة. هو الشعب نفسه، الذي بات يشبه اولئك الأطفال الذين يعنفون دون أن يتمكنوا من رفع اصواتهم بإتجاه العالم، ونحو الحلم ببتر الأيادي التي ما برحت تمتد عليهم في كل مناسبة وعند اي محاولة اعتراض!
أطفالنا الملائكة في حضانة "الجديدة"، كانوا مسلوبي الارادة والقدرة على التعبير، كما انتهى حال شعبي بعد أن امعن جنود الشيطان عندنا في زرع جهنم في كافة مفاصل حياتنا وفي طمر اي مساحة تعبير لدينا.
نعم، انتفضت كرامة شعبنا وإنسانيته، حينما تسربت فيديوهات تعنيف الأطفال الى العلن، ولم نرى الى اليوم احداً من احرار هذا الكون ينتفض لمشاهد الجور التي يتعرض لها شعبي.
انا اليوم لا أبكي فقط على مشاهد اطفال تلك الحضانة وهم يعنفون دون رادع، وإنما ابكي أيضا على مصير شعب بات يرقص فقشاً وطقشاً لستر الآمه، بينما واقع الحال يقول ان مشاهد الامس ما هي الا صورة مصغرة عن عذاب شعبي في دار الحضانة الكبيرة المسماة وطن.
هلقد بحبك يا لبنان
جورج يونس
Comments