top of page

شهاداتنا هجّرتنا… وأرضنا تنتظر من يزرعها

مارونايت نيوز - منذ فجر التاريخ، كان الماروني في سباقٍ دائم مع العلم والمعرفة، ممسكًا بالمعول في يد، والكتاب في الأخرى. لطالما كان التعليم هاجس الأهل، والرهبان تعلّموا وعلّموا، وما زالوا يؤدّون رسالتهم حتى اليوم. لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، تعلّمنا القراءة والكتابة، الشعر والرياضيات، الفيزياء واللغات... ولم نخترع شيئًا.

درسنا التاريخ، لكننا كرّرنا أخطاءه لأننا لم نتعلّم تاريخنا الماروني. حفظنا الجغرافيا، ولم نتعلّم الزراعة. قرأنا عن الصناعة، ولم نبنِها. تعلمنا كل شيء في كتبٍ كتبها غيرنا... ولم نكتب سطرًا واحدًا يخصّنا.

سعينا وراء الشهادات، لا وراء المعرفة. أردناها لتؤمّن لنا مكانة اجتماعية، وتمنحنا لقبًا نضيفه قبل الاسم، في مجتمعٍ مهووسٍ بالمظاهر، محكومٍ بعقلية طبقية لا تتزحزح، لأن المدرسة لم تحرّر العقل، بل عبّأته في علبٍ جاهزة: عقول معدّة للخضوع للمؤسسات أو للهجرة. عقول عاجزة عن التطوّر، غير قابلة للابتكار خارج القوالب التي وُضعت لها سلفًا.



كم من مرة عيّرتم زعيمًا أو شيخًا لأنه لا يحمل شهادة؟ ولكن هل سألتم أنفسكم إن كان فعلاً يحتاجها؟ وهل قلبتم السؤال، وسألتم: أنتم يا أصحاب الشهادات، ماذا فعلتم بها؟ ماذا قدّمتم بها للموارنة؟ للوطن؟

المظهر تغيّر، لكن المضمون بقي متحجّرًا. غير قابل للتعديل. فهل حرّرتنا الشهادات من التبعية؟ من العبودية؟ أم كانت جواز سفرنا إلى الهجرة؟ شهادات هجّرتنا من الأرض، لا إلى المستقبل، بل إلى الاغتراب.



في لبنان، يملك أصحاب المدارس أراضي وأوقافًا لا تُحصى. فلماذا لا يدخلون التعليم العملي إلى المناهج؟ لماذا لا نعلّم الزراعة كحرفة؟ لماذا نحفظ قصائد شعراء شاركوا في قطع رؤوس إخوتنا، ونتجاهل تعليم النجارة، والكهرباء، والسنكرة؟

لماذا نعلّم عن فولتير الذي أسّس لفكرٍ تمرّد على الكنيسة، بدل أن نزرع في نفوس طلابنا إيمانًا مارونيًا صمد في وجه قرون من الاضطهاد؟ ماذا استفدنا منه أو من كل شعراء فرنسا؟ أو أصبحنا نتكلم جيداً في الصالونات لكننا نجلس على الخراب!



هل من العيب أن يحمل الطالب المعول؟ أن يتعلّم شيئًا قد يحتاجه حتى لو أصبح أستاذًا في أكبر جامعات العالم؟ أليست الزراعة طريقًا لاكتشاف الأرض، والتصاقًا بها، وحبًا لها؟ أليست الحِرَف سبيلاً نحو إنسانيةٍ أكثر تواضعًا وفعالية؟

حين يتخرّج الطالب حاملًا مهنة، يصبح أكثر قدرة على خدمة وطنه. أكثر إنسانية تجاه أخيه الإنسان. أكثر صدقًا في مواطنيته. لا مجرد حامل لقب يبيع أرضه ليشتري سيارة فخمة، أو يفرّط ببيته ليحصل على رقم مميز.

علينا أن نربّي، نحرّر، ونحضّر أبناءنا لجميع الظروف. لكن قبل ذلك، علينا أن نربّيهم ليكونوا مسيحيين فعلاً.

(المحامي) الفرد بارود


الصور: dominik-scythe-3cIvvzjE6Lk-unsplash - zoe-richardson-D_VjFp1ds1Y-unsplash - getty-images-4PPY1v2xChU-unsplash - getty-images-upzn01VpNHg-unsplash - fotos-05Uj5-S6DJ8-unsplash

Комментарии

Оценка: 0 из 5 звезд.
Еще нет оценок

Добавить рейтинг
bottom of page