top of page

موارنة الأمس وموارنة اليوم

مارونايت نيوز - موارنة الأمس وموارنة اليوم، موارنة الأمس حملوا المجـد من كل أطرافه. موارنة اليوم يُصيبهم القحط الفكري السياسي. معيب أمر هؤلاء، يطلون على الرأي العام طارحين مواضيع شخصية تحمل صفات العمالة والكذب والرياء والتضليل. ولا نلحظ واحدًا منهم لديه الأهلية في أن يكون مسؤولاً، سواء أكان على المستوى العلماني أو الديني. إنها الحقيقة المرّة التي لا يمكن تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام. إنهم المرض المزمن والمعدي غير القابل للشفاء.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، سمات الموارنة اليوم التخلّف، بينما تتركز أفعالهم على المناصب الزائلة والتعقيد المؤسساتي. حرموا الموارنة من الخيرات التي جنوها سابقًا، وبات موارنة اليوم أسرى رهاناتهم وعمالتهم للمحاور الخارجية. جيّروا السيادة الوطنية، وباعوا المؤسسات الرسمية بالمال الحرام، كي يجلسوا على كراسي العار والزبائنية السياسية والعهر السياسي. موارنة اليوم جماعة قحط سياسي، في حالة إفلاس فكري – سياسي – إجتماعي – أخلاقي. أصبحوا ينتظرون أي حديث من أي شخص يأمرهم بـ"الصرماية" – وعفوًا على هذا التصيف – هذه هي الحقيقة.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، يا خجلة التاريخ، انتهازيون بإمتياز، يبحثون دومًا عن عودة إلى الضوء. وفي كل إطلالة على الرأي العام، لا يجدون غير رجاسة اللسان النتن، والتطاول على الأمجاد، وتزوير الوقائع والتاريخ. موارنة اليوم ينتهجون سياسة الإسترزاق السياسي، منذ أن أصبحوا في سدّة المسؤولية. كل تصاريحهم ومواقفهم ما هي إلاّ تجارة بالموارنة، لا أكثر ولا أقل.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، موارنة اليوم حدِّث ولا حرج. أقل ما يُقال عنهم إنهم في زمن قلّت فيه الرجولة والرجال، وندر الوفاء للتاريخ وللحضارة وللمارونية السياسية. إنهم مجرّد مجموعات تُصنف بـ"المخبرين"، صغار كتبة التقارير. تلك هي سماتهم، وأوراقهم ومضامينها ما هي إلاّ عمالة نتنة، وحقد، وعار، وعهر.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، يستحضرني في هذه المقالة ما رواه لي المغفور له العميد ريمون إده، في زمن العمالقة وحضور الزعامة المارونية الصادقة، حيث بادر في أول حديثه: "نحن نعيش يا إبني لأجل السياسة، أما هؤلاء المصنفين زعماء، فإنهم يعيشون من السياسة..." كل الحق مع ضمير لبنان. إنّ الصواب هو أنْ يعيش السياسي الماروني من أجل الدولة، أي في سبيل الأمانة التي تقلّدها بكفاءة، ومهنية مطلقة، وإخلاص، ونكران للذات. لكن المشكلة هي أنّ أغلب موارنة اليوم يجعلون السياسة حِرفتهم الرئيسية.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، شتّان ما بين الأمس واليوم. حاضرهم أفكار وهمية ومصلحية ضيّقة، تنبع ويلات المحسوبية، والرشوة، وظواهر الإغتناء غير المشروع في كثير من المدن والقرى، حيث اغتنوا وأصبحوا يعتاشون من ريع السياسة العميلة، وتحوّلوا إلى قادة أمر واقع، يوظفون أنصارهم المضللين لحماية مصالحهم المادية وتعظيمها.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، لنكُن منصفين في التوصيف. الطبيعة المارونية لا تقبل الفراغ، وكلما ضعف الحضور الماروني، ضعُفَ الحضور اللبناني محليًا – إقليميًا – دوليًا. وغياب الدور الماروني الفاعل هو لخدمة مصالح أقزام ساسة الموارنة، لتصبح الساحة اللبنانية والمارونية فارغتين، لصالح قوى أخرى تملأ الساحة اليوم بحضورها النتن.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، يستحضرني في هذه المناسبة ما تمّ ذكره في كتاب "أين ذهب كل المثقفين؟"، وهو كتاب ألّفه عالم الإجتماع البريطاني "فرانك فوريدي" (Frank Furedi). وهو كتاب مهم لكل الطلبة والباحثين في العلوم الإجتماعية، ولكل المهتمين بالفكر والثقافة. يطرح هذا الكتاب مشكلة غياب المثقف المنتج للثقافة، لصالح وجوه بائسة تتصدر المشهد وتقود النقاش العام، وهي خالية الوفاض من أي مضمون معرفيّ أو أخلاقي. وفي هذا الكتاب، يتخوّف الكاتب من أنّ المثقف الحقيقي أصبح كائنًا مهددًا بالإنقراض، بسبب كثرة الذين يدّعون الثقافة، والذين تصدّروا المشهد من دون محتوى أخلاقي، وفكري، وأكاديمي. ويرى أنّ الساحة خسرتْ مثقفين بارزين يمتلكون الرؤية، والإهتمام بالقضايا العامة. هذا الكتاب يُجسِّد حالة موارنة اليوم، ويا خجلة التاريخ.

موارنة الأمس وموارنة اليوم، إنّ الوعي السياسي الماروني هو إدراك أي ماروني، وفهمه لواقع مجتمعه السياسي والديني، ومعرفة المشاكل القائمة، والقوى المؤثرة والفاعلة فيه. والوعي السياسي هو حالة اليقظة الفكرية... كل هذه الأمور مطلوبة من الموارنة، كي يستطيعوا إسترجاع ماضيهم المجيد، ولكي يبنوا مستقبلاً زاهرًا، بعد حالة القحط التي يعيشونها. هل من يسمع ويُبادر؟!

د. بسام ضو


Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page