هل سنواجه الوقائع الحالية بعقلانية أو ؟؟؟؟
- د. بسام ضو
- Jun 5
- 3 min read

مارونايت نيوز - الأوضاع العامة في البلاد تتطلّب معالجتها بحكمة، ورويّة، ومسؤولية، تحت سقف القانون. والفعل السياسي السليم، المبني على الديمقراطية، يُعتبر الأكثر منطقًا بالنسبة إلى أي سياسي مسؤول، هذا إذا كانت لديه حسّ المسؤولية المتجرّدة. وهذه المسؤولية الموضوعية تبرز من خلالها مدى تحقق الصلات المتبادلة بين المسؤول والشعب، كما أنها الميدان الأكثر اعتمادًا بالنظر إلى تشعّبها كمندرجات لأي حل.
في الجمهورية اللبنانية، فوضى في الممارسة، فوضى في المعالجة، وفوضى في العلاقات. كل شيء مستباح، حتى الكرامات، والأعراض، والسيادة الوطنية. صراعات على السلطة تؤثر في كيفية تدبير شؤون الوطن ومؤسساته الشرعية، المدنية والعسكرية. وكل من يُعرَّف بأنه "مسؤول" (أي من يتعاطى الشأن العام)، يستند إلى مجموعة من المنظومات والآليات غير القانونية، من أجل التحكّم، والسيطرة، وتنفيذ خططه، وتحقيق مصالحه ومصالح من يوالونه، على حساب الدولة والشعب، دون حسيب أو رقيب. تلك التصرفات الغوغائية تتطوّر يومًا بعد يوم، ويتم تشريعها وفق الحجة الملائمة لهذا المسؤول أو ذاك.
انطلاقًا من كل الوقائع المريرة التي نواجهها في مجتمعنا اللبناني – السياسي، يمكن الاستنتاج أنّ لا عقلانية في الممارسة. ولا بدّ أن تنجم عنها عقلانية الفوضى، والدمار، والحروب، ذلك أننا نفتقر إلى العقلانية السياسية في مجال الممارسة، مما قد يتسبّب بحالة فوضى خطيرة على مستوى الكيان اللبناني. إنّ هذه الممارسة ستهزّ ركائز المجتمع اللبناني، مثل السيادة، والديمقراطية، والحريات العامة، والتسامح، وقبول الآخر... وسنكون أمام مجتمع يتنازع فيه المواطنون على مواضيع مختلفة، ويرفضون كل من لا ينتمي إلى جماعتهم، وبالتالي سينهار هذا المجتمع. فهل فعلاً هذا هو المطلوب؟!
نظام سياسي قائم على مبدأ التناقض مع الزمن، وسيصل إلى نقطة الصفر في حال بقيت الأمور على ما هي عليه من معالجات سطحية، وانفعالية، وغوغائية. وهذه حقيقة باتت غير مخفيّة على أحد. كل الوقائع تُؤشّر إلى مرحلة الاحتضار، حيث لا حوار مجدي، وفاعل، وصادق مع المجتمع العربي والدولي. وهذه هي النتيجة الحتمية للتدهور الحاصل، وللإنذارات التي تصل تباعًا من أعلى المراكز. ومجنونٌ هو من يعتقد ويُسوّق: "رح نتغلب عليّن". فعلاً وبصدق، هذه المرّة "غلطانين بالتقدير والتفكير". اسمحوا لنا!
وبالإشارة إلى أحد اللقاءات من السلك الخارجي، وباللغة الدبلوماسية، تنامى إلينا: "إنّ المجتمعين العربي والدولي أُصيبا بخيبة أمل كبرى من النظام السياسي الحالي الذي كانوا يعوّلون عليه. والغريب أنّه تمّ تفريغه من محتواه ووعوده، نتيجة انحراف في الممارسة، وضعف في التقدير، وتشريع قوانين تخدم سلطة ساسة الأمر الواقع، وتتضمّن تعيين موظفين، ومستشارين، وغيرهم، إضافة إلى نهب خيرات البلاد...". إنّ الأداء الحالي أشبه بمحاولة لإضعاف الدولة إلى حدّ تمكين الغير من التدخل في الشؤون اللبنانية، حتى باتت الجمهورية تعاني من فقدان كيانيتها، ورمزيتها، وحضورها.
في مفهوم العلوم السياسية ومراكز الأبحاث، تُعتبر العقلانية السياسية في معناها القانوني "قدرة أي نظام سياسي على الوصول إلى مجموعة من عمليات اتخاذ القرارات وصناعة السياسات العامة، حسب منطق سياسي – أمني – اقتصادي – مالي – اجتماعي، قائم على اختزال المصالح الخاصة والتدخلات الخارجية، وصرفه بصفة تحقق أكبر قدر ممكن من الخدمة العامة...". كما أنّ العقلانية ترتبط بفتح مجال لمشاركة كل المجموعات السياسية، بصفة تخلق عددًا من الخيارات والبدائل السياسية، للرفع من مستوى نجاعة الوظيفة السياسية وفعاليتها.
من الملاحظ مرحليًا، وبدون أي لبس، أنّ بعض ساسة الأمر الواقع يستندون في سلوكياتهم إلى مشروعية "قداسة الحق، والألوهية، والنصر الإلهي..."، ويعادون كل من يُحاول تجاوز هذه المفاهيم. وكل هذه الأمور تشوّه البيئة السياسية، وتعرقل أي حل يُطرَح، من شأنه إيقاف هذه الفوضى الفكرية السائدة منذ زمن. وبالتالي، ينبغي التصدي لكل هذه الانتهاكات الفكرية، ولمن يُمارسونها، لأنها تُشكّل تحدّيًا وجوديًا، وقد تعرقل كل المساعي الهادفة إلى وقف هذا النزف الأليم.
فهل سنواجه الوقائع الحالية، بكل تشعباتها، بعقلانية؟ أم سنستمر في ما نحن عليه من فوضى؟المنطق العقلاني، ومصلحة الوطن، والشعب، والعلم، يعتبرون أنّ الحكمة السياسية والدبلوماسية هما الأداتان الرئيسيتان لحل الأزمات. فـ"السياسة الحكيمة" تتيح التخطيط الاستراتيجي، والتفاوض الفعّال، بينما "الأطر الدبلوماسية" تساعد في بناء الثقة والتواصل مع كل الأطراف المعنية.فهل سيُعالج المسؤولون اللبنانيّون المشاكل المطروحة بعقلانية؟ أم سيلجأون إلى الهروب وعدم تحمّل المسؤولية؟!
الأمور صعبة، والمشاكل متشعبة، والمطالب واضحة، ولكن...
بسام ن ضو
كاتب وباحث سياسي
Comments