top of page

عظة البطريرك



سيدني الأحد ٢٤ أيلول ٢٠٢٣ "ويُكرر بإنجيل الملكوت في المسكونة كلها" (متى ٢٤:١٤)

١. لما تنّبأ يسوع عن خراب الهيكل، فهم التلاميذ ان بخراب الهيكل تكون نهاية العالم، ويكون مجيء الرب الثاني بالمجد، فهيكل اورشليم هو محطّ آمالهم. ومع خراب الهيكل كانت نهاية النبوءة والكهنوت والملوكية عند الشعب اليهودي. في الواقع، بدأ مع المسيح وبشخصه عهد جديد شمل هذه المكونات الثلاثة : فالمسيح اياه هو الكلمة والنبي، وهو قربان ذبيحة ذاته والكاهن، وهو الملك والملكوت اي الإتحاد بالله والوحدة بين جميع الناس. كانت علامة خراب الهيكل عندما انشق حجابه من فوق إلى اسفل، في اللحظة التي أسلم فيها يسوع روحه، كما نقرأ في إنجيل الآلآم. وحدث خراب الهيكل سنة ٧٠ على يد الرومان، ولم بيقَ منه سوى الحائط الجنوبي المعروف "بحائط المبكى". ولم يستطع اليهود إعادة بنائه إلى اليوم. اما سبب خراب الهيكل خراباً نهائيًا، فهو فقدانه مبرر وجوده بسبب قتل سيّده يسوع المسيح. ٢. نحن نعلم من تعليم القديس بولس ان كل مسيحي ومسيحية اصبحا بالمعمودية والميرون هيكل الله. فيجدر ان يسأل كل شخص نفسه : "هل انا ما زلت هيكل الروح القدس؟" بالطبع كلا! فقد شوّهتُ هيكل نفسي بخطاياي أكان بالفعل او بالقول او بالإهمال، فلنرمّم هذا الهيكل باللجوء إلى سرّ التوبة والغفران والمصالحة. ٣. يسعدني واخواني السادة المطارنة الأجلاء الآتين من ابرشيات الإنتشار، وقدس الرؤساء العامين والرئيسات العامات الآتين من لبنان ان نحتفل مع راعي أبرشيتنا المارونية في استراليا الغيور، سيادة المطران انطوان شربل طربيه، والكهنة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين والمؤمنات، باليوبيل الذهبي لمرور خمسين سنة على تأسيس الأبرشية. وقد افتتحتم سنة اليوبيل في عيد مار مارون ٩ شباط ٢٠٢٣ ، وستختتموه في ٨ كانون الأول المقبل بمناسبة عيد الحبل بلا دنس. ٤. فإنّا إذ نهنئكم بهذا اليوبيل الذهبي نقدّم هذه الذبيحة الإلهية معكم لنشكر الله على ما اغدق عليكم وعلى الأبرشية العزيزة بكل ارجائها من خير ونعم. ونرفعها ذبيحة استشراف للمستقبل حسبما يخطط سيادة راعي الابرشية مع مجالسها من مسيرة مجّددة، لا سيما وان الكنيسة جمعاء في حالة انعقاد لسينودس الاساقفة الروماني بقيادة قداسة البابا فرنسيس، وموضوعه: " من أجل كنيسة سينودوسية : شركة، ومشاركة، ورسالة". ٥. ويسعدنا ان نختتم بهذه الليتورجيا الإلهية المؤتمر السادس لمطارنة ابرشيات الانتشار والرؤساء العامين والرئيسات العامات باستضافة سيادة المطران انطوان شربل طربيه. وكان بعنوان : "مدعوون من المسيح ومرسلون لنكرز بالإنجيل". ٦. فعدنا إلى مكونات حياتنا المسيحية الثلاثة: خدمة الكلمة بالكرازة والتعليم، وخدمة نعمة تقديس النفوس بالليتورجيا، وخدمة المحبة الاجتماعية بالدياكونية. كلنا بحكم المعمودية والميرون ملزمون بهذه الثلاثة وبعض بحكم الدرجة المقدسة : الشماسية والكهنوت والأسقفية. وبعض بحكم النذور الرهبانية. نجد في تعليم الكنيسة الشرح الكافي والوافي لهذه الخدم واصحابها نجد في الدستور العقائدي: نور الأمم للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وفي الإرشاد الرسولي للقديس البابا يوحنا بولس الثاني: " العلمانيون المؤمنون بالمسيح". هذه الثلاثة مترابطة ومتكاملة : فالكرازة بالإنجيل تولّد الإيمان، الإيمان يُمارس في الليتورجيا ويغتذي من كنز نعمها ويتقدس ؛ الإنسان الذي تقدس بالنعمة ينفتح قلبه ويده على الإخوة والأخوات المعوزين بممارسة المحبة الاجتماعية.


٧. نشير إلى أن هذه الثلاثة : الكرازة (kerygma) والليتورجيا (liturghia) وخدمة المحبة (diakonia) هي من وصايا الكنيسة السبع. أوّد الكلام عن خدمة المحبة الإجتماعية التي تعبّر عنها وصية الكنيسة "بأُوفِ البركة او العشر". نحن على علم عن المساعدات التي تقدمونها لأهلكم والمؤسسات في لبنان وتشمل : المال والدواء والإستشفاء والمواد الغذائية والمشاريع الإنمائية والعمرانية، وأقساط مدرسية وجامعية، فأنتم مشكورون عليها من صميم القلب. ونسأل الله أن يبادلكم بأضعافها. لكننا تدارسنا أثناء مؤتمرنا كيفية تنظيم خدمة المحبة الاجتماعية، لكي نواجه، بتوحيد القوى وتنسيقها، الأزمة المالية والإقتصادية والمعيشية والإستشفائية والتربوية التي تشتد أكثر فأكثر. وقد أنشأنا لجنة لهذه الغاية ترسم خطة العمل.

٨. لا يسعنا في المناسبة إلاّ ان نوجّه تحية شكر وتقدير للسلطات المدنية الأسترالية المتعاقبة التي فتحت أبوابها بوجهكم وبوجه جالياتنا، فتمكنتم من تحقيق ذواتكم وعيشكم الكريم. حمى الله استراليا وأفاض عليها وعلى شعبها ومسؤوليها الخير والبركات. ٩. وأشعر معكم بألمكم عندما ترون وطنكم لبنان يتراجع مع كل المستويات عندما تقارنونه باستراليا : استراليا تحترم الدستور والقانون وهما فوق الجميع، اما في لبنان، الدستور والقانون متباحان من النافذين، ومخالفات المحازبين محميّة. استراليا تستوفي الضرائب والرسوم من الجميع، وتقدّم بالمقابل الخدمات العامة، وتساعد بهبات مالية للإعمار والإنماء والتربية والإستشفاء والداوء ، وتراقب بواسطة المدققين طريقة الصرف. اما لبنان فلا يستوفي الضرائب والرسوم من جميع المواطنين على السواء، بل من منطقة دون اخرى، اما عمدًا وأما خوفًا من فائض القوة او اهمالاَ. وبالتالي لا يقدّم إلاّ الضئيل من الخدمات العامة. ويبقى على المواطن ان يؤمنها، فيما الفساد مستثمر وسرقة المال العام محمي والبلد يفتقر. استراليا تعتني بالفقر والعاطل عن العمل وتؤمن له معاشًا شهريًا، ريثما يجد مخرجًا لفقره، وعملاً يعيش منه. اما في لبنان، الفقير مهمل ويزداد فقرًا ، وعدد العاطلين عن العمل يتفاقم. استراليا تحترم الإنسان وكرامته، اما في لبنان فانتهاكٌ لقدسية الحياة البشرية وكرامة الإنسان.

١٠. ان الكنيسة لن تتهاون بشأن كل هذه الأمور السلبية في لبنان. لن تسكت عنها ولن تملّ عن الإلتزام برسالتها بواسطة مؤسساتها. فالتزامها واجب عليها من المسيح فادي الانسان ومخلّص العالم. ولن تدع لبنان وشعبه فريسة الظلم والاهمال والإستبداد والإستكبار ولن تصمت عن التنديد بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، وبتعمّد تغييب رئيس البلاد المسيحي الوحيد في اسرة جامعة الدول العربية، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في اساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها. وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، التعددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل اداء رسالته الخاصة به في بيئته العربية. كلها أمور أساسية لن نسكت عن المطالبة بها.

١١. وإني أجدد لكم، ايها اللبنانيون في اوستراليا النداء لتوازنوا بين حبكم للبنان وتسجيل قيد نفوسكم لدى سفارتنا في اوستراليا والقنصليات، بالتعاون مع المؤسّسة المارونيّة للانتشار. فتحتفظوا هكذا بجنسيتكم اللبنانيّة وسائر حقوقكم الوطنيّة، وهذا واجب وطني عليكم جميعًا. نسأل الله ان يبارككم، ويبارك اوستراليا بمسؤوليها وشعبها. ويبارك اوطاننا المشرقية ولبنان، بإسم الآب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين .

bottom of page