top of page

«إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي...» تعليم المسيح عن إنكار الذات وحمل الصليب

ree
ree

مارونايت نيوز - قال الرب لتلاميذه وللجميع: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي». هذه العبارة ليست مجرّد توجيه عابر، بل هي دستور حياة مسيحية، إذ تُلخّص معنى التلمذة الحقّة.

الآباء القدّيسون رأوا فيها جوهر الإيمان العملي: فالذهبي الفم اعتبر أنّ حمل الصليب لا يعني تحمّل الشدائد فقط، بل قبولها بمحبة كما قبلها المسيح. أمّا أغسطينوس فرأى أنّ إنكار النفس هو الانتصار على الأهواء والأنانيّة، لأنّ من دون التجرّد لا يمكن السير وراء الرب. وفسّر كيرلس الكبير الصليب اليومي بأنّه شركة مع المسيح في آلامه وثبات في محبّته رغم تقلّبات العالم.

الكنيسة الكاثوليكية تضع هذا النص في قلب سرّ الفداء: فالتلميذ مدعوّ ليعيش بروح الطاعة والتجرّد، متّحدًا بالآب من خلال تبعيّة المسيح حتى الصليب. والقراءة الأرثوذكسية تشدّد على البعد الروحي والجماعي، إذ إنّ حمل الصليب هو مسار خلاص وتجديد يومي يواجه به المؤمن قوى الخطيئة والموت. أمّا التفسير الإنجيلي فيركّز على الحرية الشخصية الكامنة في قول المسيح: «إن أراد»، فالاتّباع خيار واعٍ، والصليب حياة يومية من الطاعة والخدمة والتجديد.

أمّا الباحثون في الدراسات الكتابية، فيرون أنّ الكلمة كان لها وقع صادم على السامعين الأوائل، لأنّ «حمل الصليب» في زمن يسوع ارتبط مباشرة بحكم الإعدام. ومن هنا يتبيّن أنّ يسوع أراد أن يبيّن لتلاميذه أنّ التلمذة ليست شرفًا ظاهريًا، بل استعداد للتضحية المطلقة، حتى الموت.

وهكذا يبقى تعليم المسيح قائمًا على الدوام: إنكار الذات، وحمل الصليب يومًا بعد يوم، والسير خلفه في درب يفضي إلى الحياة الحقّة.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page