top of page

السلاح في لبنان: التنظيم لا النزع، والسيادة لا الفوضى



مارونايت نيوز - تسليم السلاح المتوسط والثقيل والثقيل جدًا إلى الدولة ليس خيارًا سياسيًا، بل شرط بنيوي لقيام الدولة اللبنانية نفسها.فهذا النوع من السلاح لا يمكن أن يبقى بحوزة مجموعات، مهما كانت تسمياتها أو خلفياتها، لأن في ذلك تقويضًا مباشرًا لمفهوم السيادة، وتفخيخًا دائمًا للمؤسسات. لا شرعية لأي سلاح لا يخضع لقيادة الجيش اللبناني، ولا مبرر لأي ازدواج في القرار الأمني.

أما السلاح الذي تحوزه جهات غير لبنانية، سواء من النازحين أو اللاجئين، فهو يشكّل انتهاكًا مزدوجًا: أولًا للسيادة، وثانيًا لأبسط قواعد الضيافة التي تفرض على الضيف احترام القانون والامتناع عن حيازة وسائل القوة على أرض ليست أرضه. لا يُعقل أن يتحوّل النزوح أو اللجوء إلى حالة مسلّحة قائمة بحد ذاتها.ومن هنا، نحيّي الاتفاق الذي جرى بين فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن مسألة السلاح داخل المخيمات الفلسطينية. وإن أتى متأخرًا، إلا أنه يشكّل مدخلًا ضروريًا لمعالجة الاختلالات الأمنية المزمنة، وينبغي استكماله بخطة تنفيذية واضحة.

في المقابل، لا يمكن إخضاع النقاش حول السلاح الفردي للمعايير نفسها. فالسلاح الفردي، حين يُضبط، لا يُشكّل خطرًا بذاته، بل قد يكون في بعض الحالات ضرورة موضوعية، وسقف حماية معنويًا وماديًا في بلد تعددي مثل لبنان، لا تزال فيه الدولة عرضة للاهتزاز.

الإبقاء على السلاح الفردي حق مشروع للمواطن، ضمن شروط قانونية صارمة. هذا الحق يندرج ضمن مبدأ الدفاع المشروع عن النفس، ويشكّل نوعًا من التوازن الضروري في مجتمع لبناني مؤلف من مجموعات تشعر كلّ منها بأنها أقلية ضمن تركيبة حساسة، معرّضة في أي لحظة لاختلال التوازن أو لمحاولة فرض هيمنة بالقوة أو بالعدد.كذلك، فإنّ هذا السلاح، حين يُضبط ويُنظَّم، قد يشكّل في أوقات الحرب أو التهديدات الكبرى، خصوصًا على الحدود، خطّ دعمٍ معنوي وميداني للجيش اللبناني، وسندًا داخليًا يحمي ظهره في مواجهة أي اعتداء خارجي مفاجئ.

اللبناني الذي عايش الحرب لا يحتاج إلى من يشرح له معنى الانكشاف، ولا يقبل بسهولة أن يسلّم أمنه الشخصي للفراغ الناتج عن تقاعس سياسي أو تراخٍ في تطبيق القانون، أو حتى عن سياسة "النأي بالنفس" في مراحل حساسة، حين أُبقي الجيش في ثكناته، كما حصل مرارًا.كذلك، فإن الإبقاء على السلاح الفردي قد يشكّل في بعض الحالات وسيلة مشروعة لمواجهة سلطة ديكتاتورية تمارس القمع، أو تعمد إلى ضرب الحريات التي تُعدّ أساس تكوين الجمهورية اللبنانية.



من هنا، يشكّل الإبقاء على السلاح الفردي، ضمن ضوابط قانونية صارمة، حلًا واقعيًا يوازن بين الحاجة الأمنية الفردية ومتطلبات الأمن العام.لكن هذا الإبقاء لا يمكن أن يكون خارج الرقابة، بل ينبغي أن يُقترن بإجراءات تنظيمية وتشريعية متكاملة، منها:



  • كل سلاح فردي يجب أن يُرخَّص لدى السلطة المختصة، بموجب طلب يتضمّن معلومات تفصيلية حول مالك السلاح، نوعه، رقمه التسلسلي، ومكان الاحتفاظ به. الترخيص إلزامي، ويُجدَّد سنويًا، ويترتب عليه رسم سنوي يُعتبر موردًا رسميًا للدولة. يُصادَر كل سلاح غير مرخّص، وتُفرض على صاحبه غرامة مالية وفائدة تأخير عن كل سنة مخالفة.

  • يُمنع منعًا باتًا نقل السلاح الفردي من مكان إلى آخر، أو حمله ظاهرًا أم مخفياً، إلا بعد الحصول على إذن نقل خاص، يُحدَّد فيه تاريخ النقل، وجهته، وسببه. هذا الإذن يخضع لرسم مالي محدد يدخل مباشرة في خزينة الدولة، ويُمنح فقط بعد التدقيق في الطلب وظروفه. يُصادَر السلاح المخالف، ويُحاسب حامله قانونًا، ويُمنع نقله في السيارات أو بين المناطق من دون هذا الإذن المسبق.

  • تجارة السلاح وأندية الرماية يجب أن تخضع لقانون خاص دقيق، لا يترك هامشًا للاجتهاد أو الفوضى أو لتجارة الأسلحة في السوق السوداء.

    كل تاجر سلاح مُلزَم بتسجيل مؤسسته رسميًا، والحصول على رخصة استيراد وبيع تُجدَّد سنويًا مقابل رسوم محددة، ويخضع للضريبة على القيمة المضافة وضريبة الدخل.

    كما يُربط كل تاجر بمنصة إلكترونية تابعة للمرجع الأمني المختص، تخوّله إصدار تراخيص الحيازة والنقل مباشرة من نقطة البيع، فور استيفاء الشروط القانونية وإتمام الدفع. هذه الآلية الإلكترونية تضمن الشفافية، وتُقفل الباب أمام التلاعب أو التسريب.

  • أما أندية الرماية، فتُعامَل بالمعايير نفسها. لا يُمنح أي نادٍ حق العمل ما لم يكن مرخّصًا ومرتبطًا إلكترونيًا بالجهات الأمنية. تُفرض عليه رسوم سنوية، ويُلزم بمسك سجلات دقيقة تُحدّث إلكترونيًا وتتضمن بيانات مفصلة عن أعضائه، الأسلحة المستعملة، ونوعية التدريبات ومواعيدها. الهدف من هذا التنظيم ليس فقط التأكد من المشروعية، بل حماية هذا القطاع من أي اختراق أو تسريب.


ولتأمين عنصر الردع التشريعي، ينبغي تعديل قانون العقوبات اللبناني، من خلال إدخال مادة جديدة تنص على ما يلي:

"كل من يملك أو يحوز سلاحًا ناريًا فرديًا دون ترخيص قانوني صادر عن السلطة المختصة، يُعاقَب بغرامة مالية تتراوح بين مئة مليون وخمسمئة مليون ليرة لبنانية، على أن تُضاعَف العقوبة في حال التكرار.كما يمكن للمحكمة أن تلزم المخالف بالخضوع لأعمال ذات طابع اجتماعي لا تقل عن ثلاثمئة وخمسين ساعة، تحت إشراف الجهات المعنية، ويُصادَر السلاح موضوع الجرم حُكمًا."

"كل تاجر سلاح في السوق السوداء يُحكم عليه بجناية، ويُسجَن لمدة خمس عشرة سنة."

"يجوز بيع الأسلحة المرخّصة بين الأفراد، لكن ضمن شروط واضحة، تشمل تسجيل الملكية، ونقلها رسميًا، والاستحصال على إذن نقل خاص بالسلاح موضوع البيع من عنوان إلى آخر. وفي حال المخالفة، يُعاقب المخالف بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وتُصادَر الأسلحة موضوع المخالفة، وتُفرض عليه غرامة مالية تصل إلى مئة مليون ليرة لبنانية."


الهدف من هذا النظام ليس نزع السلاح من المواطن المسؤول، بل تنظيمه. ليس انتزاع الشعور بالأمان، بل تعزيزه بالقانون.فالسلاح الفردي المنظَّم قد يشكّل في لحظات حرجة عنصر توازن يحمي الساحة الداخلية، ويسند الجيش الوطني على جبهات القتال.الدولة التي تريد بسط سلطتها، عليها أن تبدأ من الداخل: من ضبط ما يمكن ضبطه، وتنظيم ما يمكن تنظيمه، وتثبيت ما يمكن أن يُبنى عليه وطنٌ مستقر.

المحامي الفرد بارود

bottom of page