top of page

الـ10452 كلم²: حدود الوطن أم حدود الوهم؟

مارونايت نيوز - تمرّ الأوطان أحيانًا في لحظات مفصلية تظهر فيها فرص نادرة لا تتكرّر، إلا إذا عادت الأزمات نفسها. ما يشهده لبنان اليوم، وما تحمّله شعبه الأصيل، يُعدّ من أخطر المحطات التاريخية وأكثرها تعقيدًا. ضيقةٌ وجودية لا يُرى لها ختام، لكن وسط هذا المشهد القاتم، يولد رجاء. من عمق الإيمان المسيحي، ينبثق يقينٌ بأن هذا المخاض قد يحمل بذور خلاص، إذا أحسنا العبور فيه وأكملنا جلجلتنا حتى النهاية، لعلّ القيامة تأتي لنا ولوطنٍ صنعناه، ووهبناه من عقولنا وقلوبنا.


 

الاعتقاد بأن نهاية "حزب الله" وحدها كفيلة بقيامة لبنان يعيد إلى الأذهان الوهم ذاته الذي رافق نهاية منظمة التحرير الفلسطينية. كلا الحالتين أعقبتا شغب عام 1958، يوم استُخدمت المطالب الشعبية ذريعةً للتمرّد على الدولة ومحاولة جرّها إلى أحضان الجمهورية الناصرية. ولم يكن ذلك أول السطر، إذ سبقته أحداث عام 1936 حين تحوّلت التظاهرات في بيروت، بتأثير الصراع الفلسطيني–اليهودي، إلى اعتداءات طالت المسيحيين وأرزاقهم، وخصوصًا في الأسواق المختلطة.


 

المشهد ليس جديدًا. إنه سلسلة متواصلة من محاولات ضرب التوازن الوطني، وتفكيك الكيان، وتثبيت واقعٍ هجين لا يشبه لبنان الذي نحلم به.

في القرن الحادي والعشرين، تظهر حالة "حزب الله" كامتداد واضح لتلك الحلقات، مهما تعدّدت التبريرات وتغيّرت الألوان. الصورة الأصلية لا تزال ثابتة، والحقيقة لا يمكن تمويهها مهما حاول البعض تزيينها بالكلام المعسول.


 

المشكلة الحقيقية تكمن في استمرار هذا العقل المريض الذي يرفض الاعتراف بالحقيقة، ويصرّ على تضييع البوصلة، كمن يحاول تغيير جنس الملائكة والعفاريت. ما نعيشه اليوم في لبنان، وفي جواره، ليس مرحلة عابرة. إنها لحظة حاسمة ستُحدّد مصير الوجود المسيحي الحرّ الوحيد في هذا الشرق.

الجذور تعود إلى محطة مفصلية: يوم ذهب البطريرك الياس الحويك إلى فرساي حاملاً قنبلة موقوتة سلّمه إيّاها بعض رجال الدين المسلمين. لم تكن تلك الرحلة بداية خلاص بل بداية انحدار. الجمهورية المارونية التي وُلدت يومها كانت كيانًا هجينًا، سرعان ما دخل مسارًا تراجعيًا. ومنذ ذلك الحين، لم يخطُ الموارنة خطوة فعلية واحدة إلى الأمام، بل سلكوا درب التنازلات والتفكك.


 

المفارقة المُرّة أن من يُفترض أنهم "الكبار"، هم بأغلبيتهم صغار النفوس. في زمن الحاجة إلى رجالات دولة، تسيطر الحسابات الصغيرة والأنانيات القاتلة.

الطموح لا يكون بدولة تشاركية تُفرض علينا كما تُفرض شراكة زواج غير متكافئ. نريد دولةً نكون نحن أسيادها، على صورتنا ومثالنا. دولة حيادية، منتجة، إنسانية، فاعلة على كامل ترابها، لا سلطوية ولا تابعة. شعار "الـ10452 كلم²" بات عبئًا رمزيًا أكثر منه وطنيًا. الوطن لا يُقاس بمساحته بل بنوعية رجاله ومؤسساته. ما أحوجنا اليوم إلى أن نفكر بعقولنا، لا بأحلامنا. فليس من المنطق أن يُطلب من الذئب أن يأكل الخسّ!

 

النسور لا تنتظر، بل تحلّق، وتُبصر البعيد، وتغتنم الفرص دون تردّد.


اللحظة هي الآن، لا بعد مئة عام. آن للموارنة أن يستفيقوا، أن يتّحدوا، أن يلتفّوا حول مشروع وطني جامع، ويبذلوا من أجل قيام دولة في وطن يشبههم.


المحامي الفرد بارود 


الصورة: sam-bark-XFkkYwKiC_U-unsplash



Komentarze

Oceniono na 0 z 5 gwiazdek.
Nie ma jeszcze ocen

Oceń
bottom of page