الموارنة: من صانعي الكيان إلى عبّاد الكراسي!
- Alfred Baroud الفرد بارود
- Jun 5
- 2 min read

مارونايت نيوز - كان الموارنة طليعة من لا يهابون الإمبراطوريات، ولا يساومون على الإيمان. واجهوا العثماني والمملوكي، وصنعوا من الصخور وطنًا، ومن الجبال هوية. لم ينتظروا إذنًا من أحد ليكون لهم كيان، بل انتزعوه بعنادهم، بصلاتهم، بدمهم.
واليوم؟
نتساءل بمرارة: كيف انتقلنا من شعب يصنع الكيان، إلى طائفةٍ تنقسم على الكراسي؟ كيف صارت المارونية السياسية مجرّد بازار انتخابي بلا مشروع، بلا رؤية، بلا كرامة؟
تضخُّم الأحزاب لم يعُد دليل تنوّع بل تعبيرًا عن العطش إلى التسلّط، وعن شهوة المال والمركز. نختلف على المقاعد لا المبادئ، ونقدّس الزعيم لا الشهداء. تحوّلت الزعامة إلى وراثة، والحزب إلى دكّانة، والشباب تائه في المطارات يبحث عن وطن لا يشبه كذبة وطنه.
حتى بعض رجال الدين – لا نعمّم – أداروا ظهرهم للناس. فالمؤسسات الكنسية أصبحت حكرًا على الأقوياء، تُوزّع فيها المساعدات وفق الولاء، وتُباع فيها الكرامة كما تُباع الخدمات. الكنيسة، التي كانت ملاذ المقهورين، أصبحت شريكة في الصمت… إن لم نقل في الجريمة.
أما القيادات السياسية، فلا تزال تتصارع على ما تُسمّيه "حقوق المسيحيين"، من دون أن تجرؤ على تحديدها: هل هي الحق في الوظيفة؟ أم الحق في البقاء؟ أم الحق في أن يُولد الطفل الماروني ويكبر ويشيخ في أرض أجداده من دون إذلال ولا استسلام؟
كلّ حلم بحزب واحد يُصطدم بحائط "الزعيم الأبدي"، ذاك الذي لا يتقاعد ولا يُحاسَب، بل يورّث الكرسي لابنه أو صهره أو ابن عشيرته. الحزب هو الزعيم، والزعيم هو القضية، ومن يُعارض يُرمى بالخيانة أو باللاوفاء.
لكن الماروني لم يُخلق ليُصفّق. خُلق ليُقاوم.
الماروني لا يخاف، لا يتسوّل، لا يركع إلا أمام الله.
قد نكون ضائعين، مشتّتين، منقسمين… لكنّ ساعة العودة ستدق. وعندها، سيُستعاد القرار، وتُسترجع الرؤية، ويعود الماروني كما كان: حرًّا، صلبًا، حاملًا مشعل الأرض والإيمان.
فلنكفّ عن عبادة الكراسي، ولنستعد لنصنع من جديد الكيان.
المحامي الفرد بارود
الصورة: matthew-kerslake-BpH--upRlCs-unsplash
Comments