top of page

بين الفساد والسلاح: لبنان على شفير انتداب جديد؟

مارونايت نيوز - النقاش العام في لبنان محصور اليوم بعنوان "نزع السلاح"، وكأن هذا الشعار وحده كفيل بإنقاذ الدولة. إلا أن النظرة الأعمق تكشف أن التركيز على السلاح بمعزل عن منظومة الفساد التي تحكم لبنان، لا يخدم مشروع الدولة بل يعطّل أي إصلاح فعلي، ويمهّد لانفجار أكبر.

السلاح في ذاته ليس قضية منفصلة، بل نتيجة مباشرة لفشل الدولة، وضعف المؤسسات، وفساد الطبقة الحاكمة التي استخدمت وجوده لخلق توازنات لصالحها، وتأمين مظلّة تحميها من المحاسبة.


السلاح يحمي الفاسدين، والفساد يُبقي على السلاح: سقوط أحدهما يفضح الآخر.

من يرفع شعار نزع السلاح اليوم، لا يعمل فعليًا على سحبه، بل يُبقي عليه كأداة تفاوض أو ورقة تهديد. الفارق فقط أن بعض المدافعين عنه يستندون إلى عقيدة، بينما آخرون يستخدمونه لتحقيق مكاسب خاصة: نفوذ، حماية، أو تبرير لفشلهم.


في ظل هذا السلاح، تراكمت ثروات فاحشة، ووُضعت اليد على الأملاك العامة والمشاعات، وتوسّعت مافيات السياسة والاقتصاد والتهريب. الفساد لم يعد انحرافًا عن النظام، بل أصبح هو النظام نفسه، متغلغلًا في القطاعين العام والخاص، ويعمل بتنسيق دقيق بين من يسمّون "خصومًا" و"حلفاء".

الطبقة الأوليغارشية في لبنان – سواء كانت سياسية أو دينية – لا تخشى السلاح بحد ذاته، بل تخشى سقوطه، لأنه يعني انكشافها. السلاح يغطي الفساد، والفساد يحمي بقاء السلاح. العلاقة تبادلية، والمصلحة واحدة.



في المقابل، الدولة غائبة. لا تسأل عن مصادر الغنى المفاجئ بعد انهيار الليرة واختفاء ودائع المودعين لدى المصارف، لا تدقق في الحسابات، ولا تلاحق الجرائم المالية، ولا تسائل من تواطؤوا مع المصارف أو تغاضوا عن تهريب الأموال. هذه ليست فقط مؤشّرات عجز، بل أدلّة شراكة في الجريمة.

لبنان لن يُترك خارج النظام العالمي الجديد: إما انخراط عبر إصلاح داخلي… أو تدخل خارجي بانتداب أو احتلال.

حتى أن التعديل الذي أُدخل على قانون السريّة المصرفية، غير كونه شكليًا في العمق، فهو استخفاف بعقول الناس وتذاكٍ على الجهات الدولية، رغم تهليل الإعلام والإعلاميين له، وبطبيعة الحال كل المستفيدين! لو كانت النية فعلًا إصلاحية، لكان أُلغي هذا القانون بالكامل، ولفُتحت الحسابات أمام النيابات العامة، وأمام الصحافة والجمعيات المختصة. مثلًا، من هرّب أمواله قبل الانهيار، ألا يحق للمودعين أن يعرفوا من سرقهم؟ ألا يوجد حق عام هنا؟ ألا يوجد قانون مستوجب التطبيق؟



هذا الفشل الكامل في استعادة الدولة لموقعها الدستوري، وتجاهل الإصلاح، وعدم إجراء أي محاسبة فعلية، يفتح الباب واسعًا أمام تطوّرين دوليين محتملين:

  1. احتلال إسرائيلي مباشر ودائم، بحجّة تأمين الحدود ومواجهة "الفراغ الأمني".

  2. انتداب أممي طويل الأمد، تحت سلطة الأمم المتحدة، يفرض إعادة هيكلة كاملة للدولة، ومراقبة مؤسساتها، وتشريع قوانينها وتنفيذها خارجيًا.

لكن الأهم أن لبنان، في ظل هذا الواقع، لن يُترك خارج النظام العالمي الجديد الذي يتّجه نحو ضبط الأزمات وتصفير التوترات. العالم يعيد رسم توازناته عبر اتفاقات كبرى على مستوى الكوكب، وعلى مستوى الشرق الأوسط حيث إسرائيل، ولبنان المتفلّت، الخارج عن السيطرة، لا مكان له في هذه المنظومة. لهذا، أي استمرار في هذا النهج السياسي سيجعل التدخّل الخارجي الحتمي مسألة وقت، لا خيار.ومن كان يتوقّع، مثلًا، أن جبهة النصرة ستسلك طريق الانخراط في العولمة؟



طرح نزع السلاح كمقدّمة للإصلاح هو طرح مضلّل. فالدولة غير القادرة على محاكمة مسؤول فاسد، لن تكون قادرة على نزع سلاح ميليشيا أو جهة مسلّحة. كل من يربط بناء الدولة بهذه الخطوة وحدها، يساهم من حيث يدري أو لا يدري، في تسريع انهيار الكيان.

المدخل الحقيقي للإصلاح، والطريق الوحيد لحماية لبنان من الاحتلال أو الانتداب، يبدأ من القضاء.

قضاء مستقل، جريء، قادر على فتح كل الملفات ومحاسبة كل المتورطين، هو وحده من يستطيع تفكيك بنية الفساد، وسحب الغطاء عن كل مظاهر القوة غير الشرعية. عندما تبدأ الدولة بمحاسبة الفاسدين، يسقط السلاح من دون معركة، لأن وظيفته تسقط.

استعادة الدولة لا تكون بشعارات أو ضغوط خارجية، بل بخريطة طريق تبدأ بالعدالة، لا بالقوة. لبنان لا يحتاج إلى وصاية جديدة، بل إلى قضاء حقيقي. وكل تأخير في هذا الخيار، يُقربه أكثر من فقدان استقلاله... هذه المرة إلى أجل غير مسمى.

المحامي الفرد بارود


الصور: alexander-mils-8xzP3Y0BWrY-unsplash - vignesh-CiTVlh4c8K8-unsplash - paul-campbell-LO3oGuDSCns-unsplash

Commenti

Valutazione 0 stelle su 5.
Non ci sono ancora valutazioni

Aggiungi una valutazione
bottom of page