top of page

الدين الواحد في آخر الأزمنة: وحدة زائفة تقود إلى الارتداد العالمي

ree

مارونايت نيوز - في تعليم الكتاب المقدّس، لا يظهر مفهوم "دين واحد" في آخر الأزمنة كدعوة سماوية إلى الوحدة في الحقّ، بل كخداع عالمي منسّق يقوده الشيطان عبر أدوات بشرية وروحية هدفها إلغاء الإيمان الحقيقي بالمسيح واستبداله بعبادة عالمية ظاهرها السلام والتسامح، وباطنها التمرّد على الله.هذا التعليم يمتدّ عبر أسفار متعدّدة ويُفهم من تداخل النبوءات والرؤى التي تصوّر مشهد النهاية قبل مجيء الرب الثاني.

١. الأساس اللاهوتي لفكرة "الدين الواحد"

منذ سقوط الإنسان، يحاول إبليس أن يقلّد الله ويؤسّس مملكة تشبه مملكة النور في الشكل، لكنها تقوم على الكذب والضلال. في آخر الأزمنة، بحسب نبوءة يوحنا في سفر الرؤيا (الإصحاح 13)، يظهر "الوحش" الذي يُمنح سلطاناً على "كل قبيلة ولسان وأمة"، فيجمع الناس من مختلف الأمم واللغات حول عبادة موحّدة. هذه الوحدة ليست وحدة روحية في المسيح، بل خضوع شامل لقوة دنيوية تُقدَّم على أنها خلاص البشرية. وهنا تكمن خطورة هذه المرحلة: إذ يتحوّل الدين إلى نظام عالمي، والسيادة الروحية تُمنح لكائن يُنصَّب كإله على الأرض.

٢. ضدّ المسيح والعبادة الموحّدة

يصف بولس الرسول في الرسالة الثانية إلى تسالونيكي (2: 3–4) هذا الشخص بأنه "إنسان الخطية، ابن الهلاك" الذي "يجلس في هيكل الله كإله، مظهرًا نفسه أنه إله". إنّ هذا لا يشير إلى عبادة جديدة بالاسم، بل إلى إعادة صياغة الإيمان بشكل يجعل الإنسان هو مركز العبادة. وهكذا تنشأ ديانة إنسانية كونية، هدفها محو فكرة الله المتعالي واستبدالها بإله أرضي يتكلّم باسم الإنسانية، متذرّعاً بالسلام والتقدّم والعدالة الشاملة.هذه الديانة ستكون مدعومة بـ"النبي الكاذب" كما في رؤيا 13: 11–12 الذي يصنع عجائب ويُقنع البشر بعبادة الوحش. هذا يشكّل اتحاداً دينياً-سياسياً-اقتصادياً، يُلزم الجميع بالخضوع لنظام واحد "لكي لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلا من له السمة" (رؤيا 13: 17).

٣. رمزية بابل الجديدة

في رؤيا 17 و18 تظهر "بابل العظيمة" التي تمثّل المدينة أو النظام الديني العالمي الموحّد. يوصف أنها "أم الزواني ورجاسات الأرض"، أي أنّها تجسّد الخليط الروحي الذي يدمج الأديان، فيغدو الحق نسبيًا، والقداسة تُستبدل بالتسوية، والإيمان يُقدَّم كاختيار ثقافي لا كطريق خلاص. هذه "بابل" تترأس ممالك الأرض وتغوي الملوك والشعوب، حتى تصبح مركزاً للسلطة الدينية والاقتصادية والسياسية. سقوطها في نهاية السفر يرمز إلى انهيار كل منظومة بشرية حاولت أن تحلّ محل الله.

٤. وحدة الشعوب في الضلال

تُظهر رؤيا 13: 8 بوضوح أنّ "جميع الساكنين على الأرض سيسجدون له"، أي أنّ عبادة الوحش لن تكون محصورة بشعب أو منطقة بل شاملة للعالم بأسره. هذه العبارة تشير إلى ديانة عالمية ذات طابع مؤسّسي، يقودها رأس واحد هو ضدّ المسيح، تُستَخدم فيها التكنولوجيا، والاقتصاد، والإعلام لفرض نمط تفكير موحّد، فيغدو الناس عبيداً لإيديولوجيا واحدة تُقدَّم على أنها "الحقيقة المطلقة" الجديدة.

٥. المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة

في متى 24: 24 يحذّر يسوع قائلاً:

"سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلّوا لو أمكن المختارين أيضًا."هذه النبوءة تبيّن أنّ توحيد الديانة لا يتمّ بالقوة العسكرية فقط، بل بخداع روحي يستخدم العجائب الظاهرة والمعجزات الكاذبة لجذب الجماهير. فالناس ستظنّ أنّها ترى أعمال الله، فيما هي تقع في فخّ الخداع العظيم. وهكذا، تتبدّل المراجع الروحية، ويُصبح الكذب هو الدين الجديد الذي يجمع الناس باسم "الإنسانية" و"الحرية الروحية".

٦. الهدف من الديانة العالمية

الغاية من هذه الديانة ليست العبادة، بل إلغاء التمييز بين الحق والباطل، وإقناع العالم بأن كل الطرق تؤدي إلى الله، وأنّ المسيح ليس الطريق الوحيد. هذا التذويب هو جوهر الارتداد العظيم الذي تحدّث عنه بولس الرسول. فالديانة العالمية تسعى إلى جمع الناس لا لخلاصهم، بل لإعدادهم لقبول ضدّ المسيح كمنقذ ومخلّص، وهو في الواقع رمز التجديف الأكبر.

٧. الموقف المسيحي أمام هذا الواقع

الإيمان الحقيقي لا يسعى إلى الوحدة على حساب الحقيقة. الكنيسة مدعوّة إلى البقاء أمينة للمسيح حتى في وسط نظام عالمي موحّد يرفض الحصرية الإنجيلية. يسوع قال:

"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 14: 6)في آخر الأزمنة، هذا الإعلان سيكون أكثر جذرية من أي وقت مضى، لأن العالم سيعتبره تعصّباً. لذلك، الإيمان بالمسيح سيُصبح شهادة مقاومة روحية ضد تيّار يوحّد كل الأديان في عبادة الإنسان.

٨. الدين الواحد وعلاقته بالسلام الزائف

في 1 تسالونيكي 5: 3 يقول بولس:

"لأنهم حينما يقولون سلام وأمان، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة."هذه النبوءة تكشف أنّ شعار الديانة العالمية سيكون السلام العالمي. لكن هذا السلام زائف، لأنّه يُبنى على رفض الصليب وإنكار الحقيقة الإلهية. حين يظنّ البشر أنهم حققوا التوازن بين كل الأديان، يكونون قد سقطوا في فخّ أكبر تضليل روحي في التاريخ.

٩. النهاية وسقوط النظام الموحد

سفر الرؤيا يؤكد أن هذا النظام الديني العالمي سينهار فجأة بظهور المسيح في مجده. في رؤيا 19 نرى "الوحش والنبي الكاذب يُطرَحان في بحيرة النار"، رمزاً لدينونة النظام الذي حاول أن يجعل نفسه إلهاً. بعدها فقط تبدأ الملكوت الحقيقي، حيث "لا يكون ليل هناك لأن الرب الإله ينيرهم" (رؤيا 22: 5). فالحقيقة الإلهية تنتصر، والضلال العالمي يزول.

الخلاصة اللاهوتية

فكرة "دين واحد في آخر الأزمنة" إذًا ليست مشروعًا إلهيًا بل خطة شيطانية لتحقيق السيطرة الروحية على البشر، تُقدَّم كخطوة نحو السلام والوحدة، لكنها تؤدي إلى عبادة ضدّ المسيح. وهي قمة الارتداد عن الإيمان الذي حذّر منه الرسل والأنبياء. في مواجهة ذلك، يُدعى المؤمنون إلى التمييز الروحي، والثبات في كلمة الله، وعدم الانخداع بالدعوات التي تمزج بين الحق والباطل تحت اسم "وحدة الأديان".

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page