بكـــــــــــركي ونـداء 2000 وبكـــركي اليــــــــــــــــــــوم
- د. بسام ضو

- Sep 21
- 3 min read

مارونايت نيوز - لبنان - بوصفي كاتبًا وباحثًا سياسيًا، لا أظن أنّنا في تاريخنا النضالي اللبناني – المسيحي – الماروني مررنا بأوضاع سيئة للغاية مثل ما نمرّ به حاليًا. حتى في زمن الاحتلال السوري، المُغطّى من القوى الدولية، كنّا بأفضل حال. ففي زمن الاحتلال السوري ظهرت المرجعية الروحية المارونية بشخص المثلّث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وكانت باكورة النشاط نداء العام 2000 وما حمل في مضامينه من خارطة طريق لبداية مرحلة استقلالية، للأسف أضاع مسؤولو الموارنة اليوم وبطريركيتهم أهدافها، متلهّين بأمور الدنيا.
للأسف الشديد، مع هذه القيادات السياسية والروحية، مضمون نداء العام 2000 لم يُحقّق مبتغاه. بل زاد التشرذم، وانقسمت الآراء، وسادت الفوضى الفكرية. ولم نعد نطمح بمارونية سياسية حرّة متجدِّدة، بل بتنا أمام قادة رأي خُصيان ورجال دين يناورون ويتهرّبون ويتلوّنون. والدار الآمنة التي رغبتها بنود نداء العام 2000 أضحت اليوم دارًا مدمَّرة، وسواد الأيام أصبح قاتلًا، وجمهورية العام 1920 أصبحت دولة على طريق الزوال.
«كل قادة اليوم من روحيين وزمنيين أخطأوا إلى الوطن والمارونية عن أنانية وعمالة وجهل وامتهان الدعارة السياسية وقصر النظر، وهيمنة على القرار اللبناني والماروني... قادة أمر واقع إقصائيون وإقطاعيون».
إنّ النداء الشهير الذي أصدره مجلس المطارنة في العشرين من أيلول 2000 يتناقض مع ما ورد في بنوده ومع واقع الجمهورية اليوم وواقع الموارنة، لأنّ الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والمالي والاجتماعي هو أسوأ ما يمكن أن يُحظى به، في ظل قادة رأي علمانيين وروحيين غائبين عن السمع، مطعون في شرعيتهم الوطنية والمسيحية. يُصرّفون الوقت، يحتالون على شعبهم، ويمارسون العار في السياسة والعمالة.
إنّ واقع اللبنانيين والموارنة اليوم مُزرٍ، وعلى كل ناشط سياسي ماروني أن يتحلّى بأقلّ قدر من الصراحة والتواضع ليعترف بواجب قول الحقيقة المرّة، وهي: «كل قادة اليوم من روحيين وزمنيين أخطأوا إلى الوطن والمارونية عن أنانية وعمالة وجهل وامتهان الدعارة السياسية وقصر النظر، وهيمنة على القرار اللبناني والماروني... قادة أمر واقع إقصائيون وإقطاعيون».
رجال السياسة المسيحيون (علمانيون وروحيون) دافعهم الأساسي الأنانية عبر تضخيم ثرواتهم وعصيّهم وصلبانهم. وهل هذا حق مشروع لهم؟ كلا، لأنهم يخالفون القوانين التي تنظّم الدولة بين الساسة والشعب. إنّ هذا الأداء السيئ هو السبب في زوال الأمتين اللبنانية والمارونية. والمؤسف أنّ الرأي العام منقسم، لم يتعظ ولم يستفد من نداء العام 2000، ولم يكتفِ من عظات البطريرك صفير لردع وطرد كل متسوّل سياسي أو ديني.
واقع اللبنانيين والموارنة اليوم محصور داخل دائرة سوء السياسات وضعف النمو الخلقي والفكري، التي تحول دون انتقال واقعنا إلى مسار تنظيمي مستدام. للأسف، وبصريح العبارة، نحن أمام أنواع من ساسة الأمر الواقع (علمانيين ورجال دين): منهم من هو هاوٍ، ومن هو طارئ، ومن هو دخيل متكلّس الأفكار، ومن هو إقصائي إلغائي مجرم «قتّيل قتلا». دخلوا عالم السياسة عند اللبنانيين المسيحيين والموارنة بطريقة الدم والصدفة ونتيجة صِلات معينة، لهوا وعبثوا في واقعنا ودمّروا حضورنا. وهم لا يعرفون ثوابت نداء العام 2000، بل يتجاهلونها عمدًا.
زعامات اليوم (رجال علمانيون + رجال دين) يكررون الأخطاء، سيرًا على مبدأ «في الإعادة إفادة»، ويمنحون الفرص للفوضى وللسلاح غير الشرعي، متنصّلين من خطره. يتعجّلون في التصريح واتخاذ المواقف الدنيئة، يراهنون على سذاجة الآخرين وبلادتهم، ويلجأون إلى الشك والريبة والتجني والانتقام من بعضهم البعض من أجل الحصول على مكاسب سياسية آنية ومواقع وقتية.
بعد نداء العام 2000، واقع اليوم سيئ للغاية، لأننا أمام أسوأ سياسيين ورجال دين. هم الذين يبيعون الوهم للناس، ويتخبّطون في دروب السياسة العميلة بحثًا عن منافع شخصية بين أنقاض الأزمات، ويحاولون زعزعة ثقة اللبنانيين والمسيحيين والموارنة برمي الشرر فيهم والضرب على وتر الاقتتال الداخلي وخلط الأوراق في صواني العمالة، والتفرّغ للخيانات والخيبات الكبيرة.
فلنعِد نداء العام 2000 إلى طبيعته، ولننظر إلى الواقع بواقعية وشجاعة وجرأة. ولنعلم ما هي معاني الالتزام بما ورد في هذا النداء من قيم عالية. ولنختبر الأولويات على ما ورد فيه، ولنغلّب مصلحة لبنان والمارونية السياسية، ولنفرض منهجًا مبنيًا على بنود هذا النداء. وعندئذٍ نقول كلمتنا، فيسكت ويخرس هؤلاء.
بسام ن. ضو
(كاتب وباحث سياسي – أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC)














Comments