top of page

تكرار الأخطاء وصناعة الاقطاعيات الحديثة

ree

مارونايت نيوز - لبنان حالة فريدة في تاريخه السياسي والاجتماعي. بينما تمكّنت شعوب كثيرة من كسر دوامة الأخطاء والتقدّم، بقي لبنان أسير تكرارها جيلاً بعد جيل. فما كان في زمن السلطنة العثمانية من إقطاع وزعامات، تحوّل في الجمهورية الحديثة إلى أحزاب وطوائف تفرض نفسها على الواقع. الوجوه تغيّرت، لكن الجوهر بقي نفسه: سلطة قائمة على المال والولاء، تُعيد إنتاج الإقطاعية وتُعيق قيام دولة حقيقية.

ثقافة متوارثة من الخطأ

عبر العصور، يتحول الخطأ المتكرر إلى جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب. يصبح قاعدة مقبولة لا تخضع للنقاش أو المراجعة. يتغير القالب بين مرحلة وأخرى، لكن المضمون يبقى ثابتاً: الخضوع للسلطة مقابل فتات من المكاسب.

الحكم العثماني والإقطاع

في جبل لبنان، لم يحكم العثمانيون مباشرة إلا في فترات محدودة. في معظم الأوقات، فوّضوا سلطتهم إلى أتباع أوفياء، مهمتهم جمع الضرائب وتنفيذ أوامر الباب العالي. كانوا يختارون الأكثر خبثاً والأبعد عن أي انتماء وطني أو ديني، ويمنحونهم ألقاباً ما زالت تزيّن بطاقات الهوية اللبنانية حتى اليوم. هكذا تأسست طبقية بين أبناء الوطن الواحد، رعاها السلطان بسلطة البطش ووهب الأراضي الشاسعة لأزلامه ليحكموا شعوبهم اقتصادياً واجتماعياً.

الكنيسة بين الواقع والفكر

الكنيسة تعاملت مع هؤلاء الإقطاعيين من باب الأمر الواقع، فحافظت على علاقة تضمن لها حماية شكلية، وفي المقابل احتضنت الفلاح الفقير بالتعليم والفكر. فكانت النهضة العلمية والفكرية ابنة الكنيسة، لكنها لم تستطع تحرير الفلاح من قيوده. فالفلاح المتعلم اكتسب لقباً أو شهادة، لكنه بقي في خدمة المال الفاحش الناتج عن الاقطاعية.

عبودية الفكرة والزعامات

الأخطر كان دمج الإيمان بخطاب الإقطاعي ليصبح الزعيم أيقونة مقدسة، يعبده الفلاح وهو يكد بالسخرة لمراكمة ثروات سيده. بين طاعة مفروضة وإيمان أعمى، ضاعت قيمة الإنسان وحقوقه. حتى المتعلم ظلّ فلاحاً في الجوهر، وإن غيّر مظهره.

من الإقطاع القديم إلى الحديث

اليوم، لم يتغير المشهد كثيراً. الألقاب والأدوات حدّثت نفسها، لكن الزعامة بقيت قائمة على المال غير المشروع، وعلى شبكات الولاء والمصالح. أبواب الصروح ما زالت مشرعة، والناس ما زالت تعتبر التبعية لزعيم أو حزب أمراً طبيعياً.

سؤال الدولة

من هنا يبرز السؤال الجوهري: هل يكفي تسليم سلاح حزب الله لإقامة دولة حقيقية؟ أم أن الشرط الأساس هو إغلاق كل الأحزاب الطائفية التي لا تملك سوى خطاب إعلامي للتسلية وإرث دموي جاهز للتكرار؟ في لبنان، لم يُلغِ زعيمٌ زعيماً آخر، بل فقط الفقير الذي خسر المال. فالديمقراطية الحقيقية لا تُبنى على زعامات، بل على مشاريع وخدمة عامة تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات.

البداية الحقيقية

الخطوة الأولى لقيام الدولة هي إلغاء السرية المصرفية بالكامل وتطبيق قانون "من أين لك هذا؟" بمفعول رجعي حتى العام 1500، لقطع دابر المال الفاحش عن غير استحقاق. من دون ذلك، ستبقى السرقات مكافأة لكل خائن، والإقطاعية وجهها القديم والحديث ستبقى تحكم حاضر لبنان ومستقبله.

الفرد بارود


الصورة: getty-images-gBG_AGyK74I-unsplash

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page