top of page

حين يركع الأمير… وأمام مَنْ يركع المؤمن؟

ركوع الأمير شهادةٌ على عظمة السلطة الروحية

بقلم ألفرد بارود (Alfred Baroud)


ree

مارونايت نيوز - تروي الذاكرة الشعبية المارونية حكاية لافتة عن المير بشير الشهابي الثاني، الرجل الأقوى في جبل لبنان في القرن التاسع عشر. تقول الرواية إن المير، في أحد الأيام، طلب سرّ الاعتراف. غير أنّ الكهنة تردّدوا في الدخول إلى قصره، إذ كان المير معروفًا بصرامته وهيبته. أمام هذا التردّد، أرسل البطريرك يوسف التيّان كاهنًا واحدًا لم يرهِبْهُ موقفٌ كهذا: الخوري إلياس لبنان من بلدة بجه، الرجل المعروف بقوّة شخصيته وصلابته الروحية.

دخل الخوري إلى قصر بيت الدين، فتقدّم المير نحوه وطلب أن يبدأ سرّ الاعتراف. عندها قال له الخوري بلهجة ثابتة:

"ركاع."

فأجابه المير:

"الأمير ما بيركع."

لكن الخوري، بحسب الرواية، صرخ من جديد:

"قلتلك ركاع!"

فركع المير.

قد لا نجد هذه القصة مسجّلة حرفيًا في كتب التاريخ، لكنها بقيت حيّة لأن رمزيّتها أعمق من تفاصيل الحدث. فهي لا تتحدّث فقط عن مواجهة بين كاهنٍ وأمير، بل عن سؤالٍ لاهوتيّ وإنسانيّ جوهري: أمام مَن يركع الإنسان؟

المسيحي لا يركع إلّا أمام الثالوث الأقدس

في الإيمان المسيحي، الركوع ليس حركة جسدية فحسب، بل إعلان ولاء وانتماء. المؤمن الذي وُلِد من الجديد في المسيح، وتمتّع بحرّيّة البنوة، لا ينحني لمالٍ ولا لسلطانٍ أرضيّ، ولا يخضع لعمل الشرّ ولا لفاعليه، لأنّه محرَّر بدم المسيح. لهذا كان الماروني عبر التاريخ يقف في وجه الظالم، ويواجه السيف بالكلمة، ويقاوم الجبروت بالإيمان. فالركوع، في جوهره، فعل عبادة لا يُقدَّم إلّا للثالوث الأقدس.

ree

لماذا تعيش الرواية في الذاكرة؟

لأنها تعبّر عن هوية شعب وشهادة إيمان: الماروني، مهما علا شأنه، يركع فقط أمام الله. والكاهن، حامل السلطان الروحي، لا يخضع للسلطة الزمنية عندما تتعارض مع الحق، بل يقف شاهدًا وضميرًا، مؤكّدًا أن الحرية عطية من الرب، وأن الكرامة تُصان حين يبقى القلب ساجدًا لله وحده… واقفًا في وجه كل ما هو دونه.

خاتمة: البطريرك الماروني… أمين على المجد وليس على لبنان فقط!

منذ اللحظة التي تأسّست فيها البطريركية المارونية، حُمِّل البطريركُ أمانةً لا تشبه أي أمانة أخرى: أن لا يخضع لسلطةٍ أرضية، ولا يضع فوق البطريركية أي سلطان سوى سلطان المسيح. فالمجد الذي يمثّله ليس مجدًا بشريًا، بل مجد الملكوت الذي لا يذبل.

وإذا انزلق يومًا بطريركٌ ما، فالذي يسقط هو الإنسان الضعيف، لا البطريركية. لأن العبرة ليست في هشاشة شخصٍ لم يقف على الصخر، بل في ثبات الأساس المبني على المسيح نفسه: صخرٌ لا تقدر أبواب الجحيم أن تقوى عليه.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page