زيارة البابا إلى لبنان... تطهير أم تثبيت وجود؟
- Alfred Baroud الفرد بارود

- 6 hours ago
- 2 min read

مارونايت نيوز - ماذا يمكنه أن يفعل بشخصه ما لا يمكنه فعله وهو خلف مكتبه؟
هل سيأتي لتعويم الإكليروس، أم سيزور لتأكيد الوجود المسيحي في وطنهم الأم لبنان؟
أم لعله سيأتي ليغسل يديه من دم صديقٍ ما، أو من سوادٍ آتٍ؟
أنا كمسيحي ماروني، أسأل. وفي الوقت نفسه، أطلق لفكري العنان علنًا، لتكون كلماتي هذه رسالة مفتوحة إلى البابا نفسه.
إن كانت الزيارة لتعويم إكليروسٍ أكل الدهر على أدائه وشرب، فلا تتعب نفسك يا قداسة البابا، لأن الترقيع لا يُفيد. ولنتذكّر قول سيّدنا وسيّدك الرب يسوع المسيح:
«لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ. وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ، بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعًا.» (متّى 9: 16–17)
أما إذا كانت الزيارة لغسل اليدين من مصيرٍ أسود ينتظرنا في لبنان، فلا أظن أن أحدًا يخاف حساب الأرض أكثر من حساب السماء:
«لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللهِ.» (يو 12: 43)
قداسة البابا، أنا أميل أكثر إلى القول إن زيارتك تأتي لتثبيت الدور المسيحي في لبنان، ولتأكيد وجودنا في أرضنا. هذا الدور قد كُتب في الإرشاد الرسولي الذي شدّد على التعايش انسجامًا مع مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني، وتقويمًا لأداءٍ مرتجى من المؤسسات المسيحية، ولا سيّما الكاثوليكية منها.
قداسة البابا، كما تعلم، لا هوية لأرضٍ من دون هويةٍ ثقافية يمنحها الشعب الذي يعيش عليها. فلبنان ليس سوى أرضٍ تستمد هويتها من سكّانها. والتعايش لا يمكن أن يقوم من دون المسيحيين، إذ لا معنى لهذا العذاب إن أصبح لبنان خاليًا من أبنائه المسيحيين. لكن هؤلاء المسيحيين يحتاجون إلى مقوّمات البقاء: إلى تعليمٍ لأبنائهم، وضمانٍ لشيخوختهم، وعدالةٍ اقتصاديةٍ تحفظ كرامتهم، وقبل كل شيء إلى مشاركةٍ حقيقيةٍ في تقرير مصيرهم على الساحتين المسيحية والوطنية.
قداسة البابا،هل تعلم كم تبلغ أقساط المدارس اليوم؟ هل تعلم كم هي فاتورة الاستشفاء في مستشفياتنا؟ هل تعلم كم من الهكتارات المنسية يمكن أن تُستثمر لتأمين سكنٍ كريمٍ للعائلات الشابة؟ هل تعلم أن معظم المصارف التي احتجزت أموال المودعين اللبنانيين يملكها مسيحيون؟
قداسة البابا،قال ربّنا:
«لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ.» (متّى 4: 4)وقوله «ليس بالخبز وحده» يعني أن الخبز جزء من المعادلة، لا خارجها.
نحن، قداسة البابا، نؤمن بالانفتاح على جميع البشر، فهذا هو صُلب إيماننا:
«فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.» (متّى 28: 19) لكن الرب أيضًا أوصى قائلاً:«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ ... ارْعَ خِرَافِي.» (يو 21: 15–17)
قداسة البابا، سيحيط بك في لبنان قبورٌ مكلّسة متحرّكة، تحاول أن تسرق من مجد رسالتك رصيدًا تصرفه محليًا في استعراضٍ وتكبّرٍ على الصغار والمظلومين. لكن، هناك أيضًا أولئك البسطاء، المتعبون، الذين يُصلّون بصمت ويبتسمون رغم وجعهم. أولئك الذين لا تملكهم السلطة ولا المال، بل يملكون إيمانًا لا يموت. هم الذين ينتظرون منك نظرة، وكلمة، ولمسة تُعيد إليهم معنى الانتماء إلى كنيسةٍ تُشبههم.
كفاهم إحساسًا بأنهم مجرّد زبائنٍ متمسّكين بهويتهم المسيحية التي يرفضون التخلي عنها، حتى إن كثيرين منهم تركوا لبنانهم وسافروا فقط ليحافظوا على إيمانهم. يا قداسة البابا، ما نطلبه ليس معجزةً، بل إصغاءً. لسنا نحاكم أحدًا، بل نصرخ لأننا نحبّ كنيستنا ولبناننا. نريد كنيسة راعية لا متسلّطة، حاضنة لا متعالية، نريد صوتًا يذكّر العالم بأن لبنان لا يُحيا بلا مسيحييه، وأن المسيحيين لا يُزهرون بلا لبنان.
الفرد بارود













Comments