لا تُشاكِلوا هذا الدهر: قراءة آبائية وحياة متجددة اليوم
- مارونايت نيوز

- Sep 17
- 2 min read


مارونايت نيوز - وسط عالم متغيّر تتنازعه الشهوات والمظاهر، تبقى كلمات بولس الرسول في رومية 12:2 صرخة حيّة: لا تُشاكِلوا هذا الدهر! فهل نستطيع اليوم أن نعيش مختلفين كما فعل المسيحيون الأوائل، فنحمل في حياتنا علامة المسيح التي لا تُخفى؟
كتب القديس بولس الرسول إلى أهل رومية: «ولا تُشاكِلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة» (رومية 12: 2). آية تختصر دعوة مسيحية عابرة للعصور: أن نعيش مختلفين وسط عالم مضطرب.
تفسير آباء الكنيسة
القديس يوحنا ذهبي الفم رأى أنّ بولس يدعو المؤمنين إلى كسر تشابههم مع العالم، لا شكليًا فقط بل بالذهن والروح، لأن التجدّد الداخلي يمنح التمييز لمعرفة مشيئة الله. أمّا القديس أغسطينوس فشدد على أنّ الإنسان القديم يعيش بحسب شهوات الزمان، لكن بالروح القدس ينال توجيهًا جديدًا لعقله وإرادته. القديس إيريناوس أضاف أنّ التجدّد ليس لحظة واحدة بل مسيرة مستمرة تعيد إلينا صورة الله المشوّهة بالخطيئة. والقديس كيرلس الإسكندري أكد أنّ الاشتراك في فكر المسيح هو الطريق لاكتشاف الخير الحقيقي والابتعاد عن الباطل.
كيف عاش المسيحيون الأوائل هذه الدعوة؟
في قلب روما، حيث الغنى والطبقات والرذائل، ميّز المؤمنون أنفسهم بحياة جديدة:
لم يقيسوا الكرامة بالمال، بل عاشوا شركة المحبة وباعوا أملاكهم لإعالة الفقراء.
رفضوا نظام التمييز بين عبد وسيد، وصاروا إخوة متساويين بالمسيح.
تميّزوا عن عادات المجتمع الفاسد بحياة طهارة وضبط للنفس.
وعندما واجهوا الاضطهاد، لم يساوموا على إيمانهم بل قبلوا الاستشهاد، معتبرين أن الرجاء الأبدي أغلى من الحياة نفسها.
ما بين الأمس واليوم
دعوة بولس لا تزال صالحة، ولو اختلفت التحديات. في زمننا، سواء في لبنان أو في الغرب، يواجه المؤمن صورًا جديدة لـ«هذا الدهر»:
الاستهلاك والمظاهر التي تقيس الكرامة بالمال.
الفردية والعزلة بدل الأخوّة الحقيقية.
الانفتاح على الرذائل باسم الحرية الشخصية.
الفساد والرشوة والضغوط الاجتماعية والسياسية.
المسيحي اليوم مدعو إلى أن يعيش البساطة ويستخدم المال كوسيلة خدمة، وأن يشهد للآخرين بفرح الإنجيل. وأن لا يخاف أن يُبشّر بالمسيح، مباشرة بالكلمة أو غير مباشرة بالفعل، فيكسر الحواجز الطائفية والطبقية ليبني جسور محبة، وبهذا «يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضكم لبعض» (يو 13:35).
كما عاش المسيحيون الأوائل مختلفين عن عالمهم، نحن أيضًا مدعوون إلى أن نكون «عالمًا جديدًا داخل العالم». التغيير يبدأ من الداخل، من الذهن المتجدّد بالروح القدس، ويترجم في حياتنا اليومية شهادة حيّة لإرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.













Comments