top of page

لا يُبنى وطن على مواقف للبيع

ree

مارونايت نيوز - أعرف أن كلامي لن يكون له أصداء إيجابية في مجتمعي اليميني والمسيحي، لكن إيماني المسيحي لا يفرض عليّ إلا قول الحقيقة، وألا أكون غير عادل حتى لو كلّفني ذلك قطع الرأس. وأيضًا، تحاشيًا للتفسيرات السطحية، أوضح أنني لا أقلّل من شأن أحد، ولا أقبل أن يُفسَّر كلامي شخصيًا أو أن يُوظّف لمصلحة طرف ضد آخر. كلامي شهادة حق مطلقة. فإذا تغاضينا عن العدالة، فلن يُبنى وطن.


أولاً: صخرة الروشة ملك عام

الشق الأول من مقالي هو توصيف وطني وقانوني لما حصل مع صخرة الروشة. فالروشة ليست معلمًا سياحيًا فقط، ولا هي ملكًا لمدينة أو ملكية خاصة، بل هي ملك لبنان كله، وبالتالي هي ملك الشعب اللبناني. هي مكان عام مثل مدخل نفق نهر الكلب، ومدخل ضهور الشوير، ومدخل بكفيا، ومدخل بشري، ومدخل دير القمر، والمختارة...، وصولًا إلى معظم مداخل البلدات والطرقات العامة في لبنان.

وكما أنّ الروشة مكان عام، فهي شبيهة أيضًا بكل الساحات التي يعرفها اللبنانيون: ساحة ساسين، ساحة جديدة المتن، ساحة رياض الصلح، وساحة الشهداء...، إضافة إلى الساحات المنتشرة في مختلف المناطق والتي فقدت هويتها الثقافية وباتت تُستعمل كمنابر سياسية.

وإذا قارنت ساعات إضاءة صخرة الروشة بعدد الصور الانتخابية المنتشرة على مساحة الجمهورية — وأجددها يعود إلى الانتخابات النيابية منذ ثلاث سنوات — والتي ألغت الهوية الثقافية والتراثية والتاريخية للمدن والقرى، لوجدت أن إضاءة الروشة لساعات قليلة لم تكن سوى حدث عادي جرى تضخيمه عن قصد ربما! ولو تُرك الأمر لكان مرّ من دون ضجة أو تلك الأهمية المبالغ فيها. بل إن النظر إليه كفكرة تحمل خيالًا وإبداعًا كان يمكن أن يفتح بابًا ذكيًا لتكريم القيادات البارزة التي استُشهدت وأيضاً للأسماء اللبنانية التي لمعت حول العالم وأيضاً تلك التي أنجزت للوطن والجمهورية، فيتحول الحدث إلى حركة يمكن استثمارها سياحيًا ووطنياً لتعريف الزوار على شخصيات لبنان على مدار السنة. لكن الحقد والضغينة وقصر النظرغلبا على التقدير، فبدلاً من تقدير الفكرة المبدعة، غلب الحقد ليتحوّل إلى مثال جديد على فلسفة الإلغاء.


ثانيًا: في السياسة

خسرت الدولة هيبتها حين وضعت شرفها في معركة مرتبطة بذكرى تخص شريحة لبنانية تألمت وما زالت تتألم. لا أناقش هنا أسباب آلامها، لكن هذه الشريحة مواطنون لبنانيون أولاً. لو وضعت الدولة مجهودها في قضية تمسّ جميع اللبنانيين مثلاً، كصيانة جدران مطار بيروت الدولي (مطار الرئيس رفيق الحريري) الذي صار أشبه بأسوأ مطارات العالم المتخلّف، أو في معالجة أزمة النفايات والمجارير التي تملأ شوارع العاصمة ويسبب تلوث بيئي خطير على صحة جميع المواطنين، لكان ذلك إنجازًا حقيقيًا.

أما أن تُخاض معركة دونكيشوتية ضد إضاءة صخرة لساعات، فهي معركة شعبوية لا مردود عمليًا لها سوى رصيد انتخابي. في النهاية، الحزب خرج أقوى من هذه المسرحية، والسلطة كذلك. الناخبون ابتلعوا الطعم كعادتهم، وأعطوا ثقتهم لمرشحين بلا برامج واضحة ولا التزامات قابلة للمحاسبة.


في النهاية لن نصدّق أحكامًا جديدة قبل أن تصدر أحكام الأمس. وإلا سنبقى ندور في الحلقة نفسها: فقر، تعتير، وفساد يتجدد.

تصبحون على وطن.

الفرد بارود

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page