لبنان بين استعادة السيادة والإصلاح الاقتصادي: تحديات نزع السلاح والصمود
- مارونايت نيوز
- 21 hours ago
- 3 min read

مارونايت نيوز - لبنان يعيش اليوم على مفترق طرق بين استعادة سيادته وتعزيز مؤسسات الدولة من جهة، وبين خطر الانزلاق إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل أو إلى صدام داخلي مع حزب الله من جهة ثانية. فبعد أن وافق مجلس الوزراء على المبادئ العامة لمبادرة أميركية لنزع سلاح الجماعات غير الشرعية، أعلن وزير الإعلام أن الحكومة وافقت على «الإنهاء التدريجي لوجود الجماعات المسلحة غير الرسمية في البلاد» وأن خطة الجيش، المتوقع أن تُقدَّم قبل نهاية أغسطس، ستحدد جدولاً زمنياً لتسليم الأسلحة للدولة بحلول نهاية عام 2025timesofisrael.com. وترتبط المبادرة كذلك بانسحاب إسرائيلي كامل من خمسة مواقع في جنوب لبنان وإنشاء مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمارtimesofisrael.com.
هذه الخطوة جاءت استجابة لضغوط أميركية قوية، إذ أشارت صحيفة «الجارديان» إلى أن الإدارة الأميركية تسعى لتسريع وتيرة نزع السلاح، ما يضع الحكومة اللبنانية أمام خيار «خطير» بين حرب داخلية مع حزب الله أو مواجهة مع إسرائيلtheguardian.com. ولأول مرة منذ عقود، أُسندت للجيش مهمة إعداد خطة لإحكام احتكار الدولة للسلاح، وهو ما اعتبره تحليل لـUPI نهاية للغطاء السياسي الذي كان الحزب يتمتع به وتحدياً كبيراً لقدراته المتراجعة بعد الحرب الأخيرةupi.com. ففي الحرب التي اندلعت عام 2023، تكبد حزب الله خسائر بشرية ومادية فادحة، وتعرض لقتل عدد كبير من قادته، وهو ما جعل بعض المحللين يقولون إن الحزب «أصبح أضعف بكثير»reuters.com.
رد حزب الله كان حاسماً، إذ صرّح نائب أمينه العام نعيم قاسم بأن «لبنان لن يعيش» إذا حاولت الدولة مواجهته، مؤكداً أن نزع السلاح لن يتم قبل توقف إسرائيل عن ضرباته وانسحابه من الأراضي اللبنانية التي يحتلهاreuters.com. كما وصف الحزب قرار الحكومة بأنه «خطية كبرى» وتعهد بالتعامل معه «كما لو أنه لم يكن موجوداً»aljazeera.com. ورغم اللهجة التصعيدية، أشار مراقبون إلى أن الحزب لم يلجأ حتى الآن إلى العنف، ربما نتيجة ضعف قوته العسكرية أو تغير استراتيجيتهaljazeera.com.
في المقابل، شدد رئيس الوزراء نواف سلام على أن «لا طرف في لبنان مخول بحمل السلاح خارج إطار الدولة»reuters.com. كما تلاحظ الجهات الرسمية أن المجتمع الدولي بات متفقاً على ضرورة احتكار الدولة للسلاح، إلا أن خلافاً ظهر بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول تجديد مهمة قوات حفظ السلام الدولية (يونيفيل)، إذ أفاد تقرير لأسوشييتد برس بأن إدارة ترامب ترغب في إنهاء المهمة بينما تدافع فرنسا وبريطانيا وإيطاليا عن بقائها حفاظاً على الاستقرار.
الجدل حول نزع السلاح يعكس أيضاً الخوف من تدخلات خارجية. ففي حين أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران تدعم حزب الله لكنها لا تتدخل في قراراتهaljazeera.com، اعتبر وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي هذه التصريحات «تدخلاً غير مقبول يمس سيادة لبنان»aljazeera.com. ويؤكد مسؤولون لبنانيون أن نجاح الخطة مرتبط بحصول لبنان على ضمانات بأن إسرائيل ستلتزم بوقف إطلاق النار وستنسحب من الأراضي التي لا تزال تحتلها، وأن يتم ضبط الحدود مع سوريا أيضاًtimesofisrael.com.
الجانب الاقتصادي مرتبط بدوره بهذا المسار السياسي والأمني. فمنذ وصول الرئيس جوزيف عون إلى الرئاسة في يناير 2025، أشارت صحيفة «Arab Times» إلى مؤشرات أولية على تعافٍ اقتصادي بفضل الاستقرار السياسي وحزمة إصلاحات، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض التضخم إلى نحو 15.2% في 2025arabtimesonline.com. إلا أن انسحاب وزراء حزب الله وأمل من جلسة حكومية احتجاجاً على إدراج قضية السلاح أثار مخاوف من عودة الأزمة السياسية وتعطيل الإصلاحاتarabtimesonline.com. ورغم ذلك، شهدت الأسواق بادرة إيجابية عندما رفعت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للديون بالليرة من «CC» إلى «CCC» لأول مرة، مستندةً إلى فوائض الموازنة وبعض الإصلاحات في السرية المصرفية وهيكلة المصارف، لكنها حذّرت من أن تحقيق تقدم في إعادة هيكلة الديون لا يزال بعيد المنالtoday.lorientlejour.com. وفي حديث مع صحيفة «ذا ناشونال»، أكد وزير الاقتصاد عامر بسات أن إصلاح النظام المصرفي وإعادة أموال المودعين تحتاج إلى وقت طويل، مشيراً إلى أن إلغاء السرية المصرفية ووضع إطار لحل المصارف من أولويات الحكومةthenationalnews.com.
أما الأوضاع المعيشية فتعكس الهشاشة التي يعيشها اللبنانيون، إذ أدى موجة حر شديد في أغسطس إلى انقطاع التيار الكهربائي بعد عطل في محطة الزوق، مما كشف ضعف شبكة الكهرباء العامة وعجز المولدات الخاصة عن تغطية الطلب؛ وأوضحت مؤسسة كهرباء زحلة أن الاستهلاك يرتفع بنحو 30% مع ارتفاع درجات الحرارةtoday.lorientlejour.com. هذه الأزمة تعيد إلى الواجهة مطلب إصلاح قطاع الطاقة وتطوير البنية التحتية، وهو شرط أساسي لأي تعافٍ اقتصادي.
خلاصة القول أن لبنان يقف أمام فرصة تاريخية لاستعادة سيادته وبناء دولة قوية، لكنه يواجه في الوقت نفسه تحديات هائلة. فنجاح خطة نزع السلاح يتوقف على توازن دقيق بين الضغوط الدولية ومخاوف المكوّنات الداخلية، وكذلك على ضمانات واضحة بانسحاب إسرائيل واحترامها للتهدئة. وفي حين يمكن أن تفتح الإصلاحات الاقتصادية الباب أمام انتعاش طال انتظاره، فإن استمرار الأزمات السياسية والطاقة قد ينسف هذا التقدم. يبقى السؤال: هل ينجح اللبنانيون في تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء وطنهم أم ينزلقون إلى حلقة جديدة من الصراع؟
الصورة: unsplash-community-B5dwamz8CFU-unsplash
Comments