top of page

واقع الموارنة المأزوم

ree

مارونايت نيوز - لبنان - المارونية السياسية مفهوم وطني، سياسي، ديني راسخ، ينطوي على جوهر إيماني وطني، وهي منهجية لبنانية أصيلة قائمة بحد ذاتها، ولذاتها، وللوطن لبنان. المارونية السياسية العريقة، غير المزيّفة، وغير المُطيّفة، تشمل في مضامينها ومدلولاتها اللبنانية الذاتية أبعادًا وطنية صرفة، ورسالة على مستوى المشرق. شموليتها، ومقاصدها، وغايتها، وأهدافها اللامتناهية هي ديمومة السيادة الوطنية اللبنانية، وصيغة عيش مشترك تُحترم فيها كل المعتقدات، كما أنّ شموليتها ومدلولاتها الفكرية الصرفة على مستوى ممارسة النظام، قائمة ضمن ركائز تاريخية، جغرافية، ديمغرافية، إنسانية، حضارية.

المارونية السياسية لها مدلولات فكرية خصّبت التاريخ اللبناني، وتحصّنت بنزعة قومية تحررية جسّدت جوهر الإنسان اللبناني الحق، على مستوى الفرد والشخص، وعلى مستوى الجماعة الإثنية التي أعطت وأنتجت مبدعة، على ما كان يُتردّد في الماضي: "عالم ماروني". ولا شك أنّ المارونية أغنت الحياة السياسية اللبنانية بعطاءات فكرية أكاديمية متعدّدة على كل الصعد. المارونية السياسية ارتكزت، في زمن العمالقة، على أبعاد لبنانية، إنسانية، وطنية، فكرية، طبيعية، حضارية، ضمن مفهوم وطني صرف، تحصّن بالدستور والقوانين والأعراف، وصيغة العيش المشترك التي يُحاول ساسة الأمر الواقع اليوم تدميرها.

المارونية السياسية هي أساس وجوهر النظام السياسي اللبناني، هي الأصل والمادة الخام، وهي الجزء الأساسي الذي تفرّعت منه كل الحركات السياسية اللبنانية. إنّ أيّ تطلّع لمستقبل أفضل، رهن بمدى جهوزية المارونية السياسية للتحديات والأحداث التي تحيط بجمهورية العام 1920. على الماروني السياسي الصادق الحر أن يبحث عن سُبُل تشقّ الطريق إلى تحرير المارونية السياسية من عبودية مرتزقة الساسة عندها، والسير في أفق إعادة تأسيس مجتمع سياسي ماروني منتج، محقّق للركائز الأساسية التي تأسست عليها هذه المارونية.

ree

ليعلم ساسة الأمر الواقع، علمانيين ورجال دين، رؤساء جمهورية، مسؤولين رسميين، بطاركة، أساقفة، كهنة، علمانيين، أنّ التطوّر ليس مرتبطًا بأيّ مجتمع من المجتمعات التي يأتمرون بها. إنّ المارونية السياسية بحاجة إلى توافر إرادة صريحة، متحرّرة، جادّة، ونيّة صادقة منبثقة من وعي كامل بمكامن الخلل، ومواطن الضعف، والطموح إلى بلوغ الأهداف المرسومة مسبقًا.

علمانيين، بطاركة، أساقفة، كهنة... إنّ إعادة بناء الإنسان الماروني العملاق تتطلّب إعادة تقييم المبادئ الأساسية التي تأسست عليها المارونية السياسية، والتي وفّرت للوطن وللموارنة عيشًا كريمًا. ولكن الواقع اليوم أنّها ابتُلِيَت بساسة أقزام مأمورين، يُتاجرون، يُساومون، يُبدّلون ويتبدّلون، يتراخون، يبيعون الكرامات، ويرهنون الأعراض. نحن بحاجة إلى مشروع نهضة مارونية لا يقوم على البهورة والعمالة.

ree

مشروع ساسة الموارنة اليوم (علمانيين ورجال دين) لم يستطع الصمود أمام تيارات التحديات المختلفة التي تواجه أبناء الطائفة. إنّه مشروع سياسي مرتهن، يعتمد على مبدأ العمالة وبيع الذات، ممّا حدّ من استقلالية وفعالية الحضور الماروني. وهذا يعني أنّ مشروع هؤلاء الأقزام والعملاء لا يملك حرية التصرف الكاملة، ويتأثر بالجهات التي يعتمد عليها.

المارونية السياسية، في حالتها الحاضرة، تُعاني من الإرهاق الفكري، إن لم نقل من "الموت السريري". (علمانيين ورجال دين)، هذا هو واقعها، ولم يعُد مسموحًا بقاؤها على هذا المنوال. إنها تعاني من خطر الزوال، والمسؤولون الموارنة – على ما يبدو – شهود على المؤامرة التي تُحاك على الشعب وجمهورية العام 1920. مسؤولون موارنة يتأثرون بالخارج وبصراعاته وتوازناته. هذا التأثر ليس بالأمر الطبيعي، بل هو واقع مُعاش، تحوّل راسخًا تحت أشكال الاستقطاب، والارتباط، والإرتهان. إنه واقع الموارنة المأزوم.

بصفتنا مركز أبحاث PEAC، عايشنا أوضاع ساسة الموارنة الذين يحكمون المارونية السياسية، ولاحظنا في الجوهر تكرارًا لفشلهم وعجزهم حينما كانوا موجودين في صفوف المعارضة. كانوا فاشلين (تجربتا قرنة شهوان و14 آذار)، وعاجزين كمعارضة، وفشلوا في الممارسة السياسية. غالبيتهم كانوا رهائن لأجهزة مخابراتية أو عملاء سفارات، استُعبدوا واستسلموا لحركة عسكرية تموّلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأعطوا طوعًا الفرصة لهذه الحركة العسكرية المأتمرة بإيران لتعمل على طريقتها، فكان منهم من تحالف مع هذه الميليشيا وقوّض النظام السياسي، ناهيك عن الذي سوّق لهذا الحلف معتبرًا إيّاه "صناعة لبنانية" – تسوية معراب التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية. (ومن هونيك وبالرايح، حدّث ولا حرج).

واقع الموارنة المأزوم يؤكّد أنّ الموارنة في عين العاصفة، وفي قلب الصراع الجيوإستراتيجي الدائر في لبنان والمنطقة. موارنة منقسمون على أنفسهم، مشتّتون، باعة أوهام، نجح الغير في بسط نفوذه على مفاصل أساسية في الجمهورية، خصوصًا في الإدارات الرسمية المدنية والعسكرية. هذا الواقع السياسي عند الموارنة يشهد على درجات التأزّم القيادي روحيًا وزمنيًا. كلّ المسؤولين اليوم غائبون عن السمع، يتجاهلون حقيقة الأمر. هناك تناقض شديد، وسوء رؤية، وعبث فكري، لا بل جهل متعمّد.

إنّه لا يمكن بقاء الوضع الماروني على ما هو عليه، حيث إنّ استمرار الفراغ وأزمة المُحِلّ دون حلول، يُنذر بمستقبل أخطر ممّا نحن عليه.

هل من يسمع ويرحل؟أم ننتظر من يُحاكمه على ما فعله من سيّئات؟الجواب...

د. بسام ضو


Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page