إعلام ببغائي وأزمة وعي: عندما يتحوّل السؤال إلى أداة تضليل
- Alfred Baroud الفرد بارود
- Aug 3
- 2 min read

مارونايت نيوز - لبنان - في زمن تُقاس فيه المواقف بميزان المصلحة، وتُفصّل فيه الكلمات لتناسب مقاسات القوى، لم يعد الإعلام في لبنان مساحة حرة كما يُفترض به، بل صار في كثير من الأحيان مرآة مشوّهة تعكس ما يُراد لا ما هو واقع. لم تعد المشكلة فقط في من يعتدون على الدولة، بل في من يُبرّر لهم تحت شعار "الأسئلة الموضوعيّة"، بينما الأساس مغيّب، والسيادة مستباحة.
في ظلّ المأزق السياسي العميق الذي يعيشه لبنان، لم تعد المشكلة محصورة في أهل السلطة فحسب، بل امتدّت إلى من يُفترض أنهم يحملون مسؤولية مساءلتها: الإعلام. فبدل أن يكون منبرًا للتفكير والتحليل وكشف الحقائق، انزلق جزء كبير من المشهد الإعلامي نحو تكرار الخطاب الجاهز، والخضوع لمعادلات الساحة، على حساب الحقيقة والمصلحة الوطنية.
في خضمّ الأزمة، يطلّ بعض الإعلاميين كالببغاوات، يردّدون الأسئلة ذاتها دون أدنى جهد تحليلي أو وعي سياسي. يطرحون، مثلاً، تساؤلات حول "مطامع" هذه الدولة أو تلك، وكأنّ الحدث سقط من السماء! يتناسون أو يتجاهلون الأسباب الجذرية للحرب، وأوّلها التعدّي الصريح على دولةٍ خارجية انطلاقًا من الأراضي اللبنانية، في خرقٍ فاضح لسيادة لبنان ولمبدأ عدم التورّط في صراعات الآخرين. هذا النوع من الخطاب الإعلامي لا يُسهم سوى في تمييع الحقيقة وتشويه الوعي العام، عبر تجاهل ما لا يُمكن تجاهله: أنّ كل عدوان له سبب، وكل سيادة لها حدود، وأنّ من يورّط لبنان في الحروب لا يفعل ذلك دفاعًا عنه، بل استخدامًا له.
لا يقتصر الخلل على مضمون الأسئلة فحسب، بل في طريقة الطرح أيضًا، حيث تختفي الدقّة ويغيب الربط المنطقي بين الأحداث، وتُستبدل التحاليل بالصراخ، والوقائع بالشعارات. فيتحوّل الإعلام من سلطة رقابة إلى منصّة تغطية وتبرير، ومن محرّك وعي إلى مروّج للاصطفافات.
إنّ الإعلام في الأزمات ليس ترفًا بل مسؤولية وطنية، ولا يُنتظر منه أن يكون حياديًا بين المعتدي والمدافع، ولا بين من يحترم الدستور ومن يخرقه، بل أن يكون منحازًا للحقيقة، للسيادة، وللقانون.
وفي زمن تتكاثر فيه الأزمات وتتعقّد المعادلات، فإنّ الإعلام اللبناني مدعوّ اليوم إلى مراجعة شاملة: في أدائه، في معاييره، وفي أخلاقياته. لأنّ تكرار الببغاء لا يصنع رأيًا عامًا، بل يقتل الفكر… ويفتح الطريق أمام المزيد من الكوارث.
الفرد بارود
الصورة: sam-mcghee-KieCLNzKoBo-unsplash
Comentarios