top of page

الأنبياء الكذبة في ضوء تفاسير الآباء: بين التحذير والرجاء

ree

1 وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا.

2 وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.

3 وَهُمْ فِي الطَّمَعِ يَتَّجِرُونَ بِكُمْ بِأَقْوَال مُصَنَّعَةٍ، الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ.

4 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ،

5 وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ.

6 وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا،

7 وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ.

مارونايت نيوز - تُشكّل كلمات الرسول بطرس في الإصحاح الثاني (2 بط 2: 1-7) من العهد الجديد تحذيراً صارخاً من خطر المعلّمين الكذبة الذين يتسلّلون إلى الشعب ليزرعوا بذور الهلاك. هذا المقطع لم يتركه الآباء من دون تأمّل عميق، بل اعتبروه إنذاراً أبدياً ودرساً عملياً لكل الأزمنة.

القديس يوحنا الذهبي الفم رأى أن المعلّمين الكذبة لا يأتون من الخارج فحسب، بل يخرجون من وسط الكنيسة نفسها، متخفّين بكلام معسول بينما يزرعون السمّ. والإنكار هنا لا يقتصر على اللسان، بل قد يكون بالتصرفات والحياة التي تُبطل الشهادة للرب.

أما كيرلس الأورشليمي فشدّد على أنّ "الأقوال المصنّعة" هي أسلوب المضلّلين، إذ يستعملون المنطق البشري والتلاعب بالألفاظ كما فعل إبليس في التجربة، فيُسقطون الضعفاء بالكلمة المغشوشة.

وفي التقليد الشرقي، يوضح بطرس السدمنتي أنّ الرسول يذكّرنا بتاريخ الدينونة: الملائكة الساقطون، العالم قبل الطوفان، وسدوم وعمورة. إذا كان الله لم يشفق على هؤلاء، فكيف يُعفى من يرفضون الحقّ؟

القديس أغسطينوس ذهب إلى عمق الدافع، فرأى أنّ الطمع هو أصل الضلال، حيث يحوّل المعلّمون الكذبة النفوس إلى سلعة للربح. لكن دينونتهم "لا تنعس"، أي أنّ الهلاك حاضر ولو تأخّر في الزمن.

من جهته، شدّد إيريناوس أسقف ليون على أنّ أخطر البدع هي التي تنكر الفداء وتُفرغ صليب المسيح من معناه. كل تعليم ينتقص من ألوهية المسيح أو من عمله الخلاصي، هو بحسبه، بدعة هلاك.

وأخيراً، أضاء باسيليوس الكبير على المساحة المشرقة في النص: كما حفظ الله نوحاً وسط الطوفان وأنقذ لوطاً من سيرة الفجور، فهو يعرف كيف يحفظ الأبرار وسط عالم فاسد. الماضي ليس مجرد تاريخ بل عبرة حيّة لكل جيل.

هكذا يجتمع صوت الآباء على رسالة مزدوجة: تحذير من خداع المعلّمين الكذبة الذين يتاجرون بالنفوس، وتشجيع بأنّ الله يبقى أميناً في خلاص الذين يتمسكون بالحقّ. الدينونة واقعة، لكن الرجاء حاضر أيضاً، والتمييز بين الاثنين هو علامة المؤمن الساهر.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page