top of page

«لا تلمسيني… إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يوحنا 20: 17)

ree

مارونايت نيوز - في صباح القيامة، وقفت مريم المجدلية مذهولة أمام قبر فارغ، لتلتقي بالرب القائم وجهًا لوجه. غير أنّ كلماته الأولى لها كانت غريبة وصادمة: «لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».

هذه العبارة القصيرة جمعت في داخلها معانٍ لاهوتية عميقة لا تقلّ أهمية عن حدث القيامة نفسه. الآباء فسّروها كبوابة تنقلنا من الإيمان الحسي إلى الإيمان الروحي، ومن العلاقة الأرضية إلى الشركة السماوية.

القديس أوغسطينوس رأى أنّ الرب يرفع مريم من التعلّق الجسدي بشخصه إلى اللقاء الروحي بحضوره غير المنظور. فالقيامة لم تعد حدثًا يُختبر باللمس فقط، بل بالعيون التي ترى بالإيمان. وهنا يبدأ عهد جديد حيث لا يكفي "الإمساك" بالمسيح بالجسد، بل عيش الشركة معه بالروح.


ree

أمّا يوحنا الذهبي الفم فشدّد على أنّ يسوع يمنع المجدلية من التمسّك به كما لو كان سيبقى بالجسد إلى الأبد. كان يريد أن يعلّمها أن تتمسّك بالوعد: صعوده إلى الآب، وإرسال الروح القدس. من هنا، "لا تلمسيني" ليست رفضًا، بل انتقالًا إلى بعد أعمق.

وعندما يقول المسيح: «أبي وأبيكم»، فهو يفرّق بين بنوّته الأزلية للآب وبنوّتنا بالتبنّي. هو ابن بالطبيعة، ونحن نصبح أبناء بالنعمة من خلاله. وعندما يضيف: «إلهي وإلهكم»، فهو يعلن اتحاد طبيعته البشرية بنا، لأن الآب هو إلهه بحسب الجسد، وهو إلهنا بحسب الخلق والفداء. هذه العبارة وحدها تكشف سر المصالحة: المسيح الوسيط الذي جمع السماء بالأرض.

كيرلس الكبير يضيف أنّ هذه الكلمات تنقلنا من موقع العبيد إلى موقع الأبناء. بالصليب والقيامة صار لنا أن ننادي الله "أبانا"، لا كأمر مجازي، بل كواقع حقيقي في سر البنوة بالروح القدس.

وفي النهاية، أراد الرب أن يرسل مريم المجدلية كرسول إلى الرسل: «اذهبي إلى إخوتي». للمرة الأولى يسمّيهم إخوة، لأنّ القيامة فتحت باب الأخوّة الحقيقية. من الآن فصاعدًا، المؤمنون ليسوا أتباعًا فقط، بل أبناء وأخوة للابن الوحيد.

خلاصة الآية ليست مجرد منع مادي عن لمس الجسد القائم، بل إعلان عن انتقال جذري: من زمن يسوع الناصري بين تلاميذه بالجسد، إلى زمن يسوع القائم الممجّد الذي يقودهم إلى الآب. هي دعوة لرفع النظر من الأرض إلى السماء، من العاطفة البشرية إلى الشركة الإلهية، ومن التلميذ إلى الابن.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page