من الشرخ العظيم إلى المصالحة العظيمة: نداء إلى بكركي
- Alfred Baroud الفرد بارود

- Sep 18
- 2 min read

مارونايت نيوز - تاريخ الموارنة محفور بالانقسامات. منذ وفاة مار مارون وحتى يومنا هذا، لم يخلُ الزمن من شرخٍ هنا أو نزاعٍ هناك. وأصاب الكاتب أنطوان فرنسيس عندما عنون كتابه بـ"الشرخ"، لأنّ ما عاشه المسيحيون في حقبات مختلفة لم يكن مجرّد خلاف سياسي، بل انقسامات عميقة تركت جروحاً لم تندمل.
اليوم، الشرخ العظيم ما زال قائماً، يتجلّى في الانقسام السياسي والفكري والاجتماعي الذي يفتّت المجتمع المسيحي من الداخل، ويضعفه أمام التحديات الوجودية الكبرى. ومع أنّ الأجيال تغيّرت، إلّا أنّ آثار هذا الشرخ تتوارث، وتحمل معها الخطر الأكبر: أن يتحوّل الانقسام إلى انتحار جماعي في زمن تتبدّل فيه الخرائط وتشتدّ العواصف حولنا.
العالم يتّجه نحو أكبر مواجهة دينية وحضارية في تاريخ البشرية. الاثنيات والطوائف تتحضّر وتبني استراتيجيات دفاعية وهجومية. وحده المسيحي في لبنان يقف ممزقاً، منشغلاً بخلافاته الصغيرة فيما العاصفة تقترب. هنا تكمن المأساة: الانقسام لم يعد مجرّد خيار سياسي، بل تهديد مباشر للوجود.
أمام هذا الواقع، تقع المسؤولية أولاً وأخيراً على الكنيسة المارونية، وعلى رأسها بكركي. فهي المرجعية الروحية والتاريخية التي رافقت الموارنة في أصعب المراحل. واليوم، لا يكفي أن تبقى بكركي شاهدة أو وسيطة بين الأطراف، بل عليها أن تبادر. أن تطلق مشروع المصالحة العظيمة، الذي يتجاوز الحسابات الانتخابية والحزبية، ويعيد جمع المسيحيين تحت سقف واحد.
الإطار العملي لهذه المصالحة يبدأ من:– عقد مؤتمر شامل برعاية بكركي، يضمّ كل القيادات والتيارات والفعاليات المسيحية، بعيداً عن لغة الاتهام والإلغاء.– تشكيل مجلس تنسيق مسيحي يعمل على بلورة موقف موحّد تجاه الاستحقاقات الوطنية.– إشراك القاعدة الشعبية في مسار المصالحة، لتتحوّل من مجرّد اتفاق سياسي فوقي إلى مسيرة جماعية تعيد الثقة والرجاء.
إنّ الانتقال من الشرخ العظيم إلى المصالحة العظيمة ليس ترفاً فكرياً ولا خياراً سياسياً، بل واجب وجودي. بدون المصالحة، لن ينجو المسيحيون من العواصف المقبلة التي تهدّد البشر والحجر وتغيّر معالم الأرض. أمّا معها، فيمكن أن يستعيدوا دورهم التاريخي كركيزة في بناء لبنان الحر، القوي، العادل.
فليكن هذا النداء اليوم من بكركي، ولتكن المصالحة مشروعها الأوّل. لأنّ التاريخ لن يرحم، والمستقبل لن يُبنى إلّا على وحدة حقيقية تحفظ الإيمان والحرية والوجود.
الفرد بارود













Comments